[ad_1]
“التعليم متعدد اللغات.. ضرورة لتحقيق التحول المنشود في التعليم”، هو الشعار الذي اختارته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) لتخليد اليوم الدولي الرابع والعشرين للغة الأم، وسط مطالب متزايدة بضمان التعدد اللغوي وصيانة اللغات الحيوية وغيرها من الاندثار.
الاحتفال بـ”اليوم الدولي للغة الأم” (21 فبراير من كل عام) يجد سنده المؤسساتي في مشروع قرار رقم (30 C/DR.35) بادرت به بنغلاديش قبل أن يتبنّاه المؤتمر العام ليونسكو في دورته الثلاثين التي انعقدت في باريس (نونبر 1999).
التعليم متعدد اللغات القائم على اللغة الأم
المديرة العامة ليونسكو، أودري أزولاي، شددت في رسالة مُعمَّمة بمناسبة اليوم الدولي للّغة الأم، تتوفر جريدة انزي بريس على نسخة منها، على “أهمية التعليم باللغة الأم لتمكين الفرد من التطور والنمو على أكمل وجه ونقل التراث اللغوي”.
ومع ذلك، استدركت أزولاي بأنه “يتعذّر على ما يعادل نسبة 40% من التلاميذ في شتى أنحاء العالم التعلُّم باللغة التي يجيدون تكلمها أو فهمها أكثر من غيرها، ما يسفر عن عواقب وخيمة تنعكس على عملية التعلم والتعبير الثقافي وبناء الروابط الاجتماعية، ويزعزع بنيان التراث اللغوي للإنسانية”.
تبعا لذلك، اعتبرت المسؤولة الأممية أنه “لا بد من مراعاة هذا العامل اللغوي الحاسم في عملية التحول الضرورية في مجال التعليم، التي اضطلعت بها يونسكو طوال عام 2022، عبر مؤتمر قمة التحول المنشود في التعليم، الحدث الأبرز في إطارها، المنعقد شتنبر الماضي بناءً على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش”.
وحددت أزولاي “الهدف الذي نصبو إليه في هذا اليوم الدولي في الاحتفال بشتى أساليب التعبير عن العالم من حولنا بكل أوجهه المتعددة، والالتزام بصون تنوع اللغات باعتبارها تراثاً مشتركاً للإنسانية، والسعي إلى توفير التعليم الجيد، باللغة الأم، للجميع”.
“يُسهّل التعليم متعدد اللغات القائم على اللغة الأم التعلم وإدماج السكان الناطقين باللغات غير السائدة ولغات الأقليات ولغات الشعوب الأصلية”، تقول المنظمة الأممية، كاشفة عن تنظيمها فعالية بتاريخ 21 فبراير “لاستكشاف الإمكانيات الكامنة في التعددية اللغوية لإحداث التحول المنشود في التعليم من منظور التعلم مدى الحياة وفي سياقات مختلفة”.
3 مواضيع
يتمحور نقاش اليوم الدولي للغة الأم هذه السنة، وفق فعالية احتفاء يونسكو، حول ثلاثة مواضيع أساسية؛ أولها “تعزيز التعليم متعدد اللغات باعتباره ضرورة لإحداث التحول المنشود في التعليم في سياقات متعددة اللغات، بدءاً من التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة وما بعدها”.
ثانيها “دعم التعلم من خلال التعليم متعدد اللغات والتعدد اللغوي في سياقاتنا العالمية سريعة التغير وفي حالات الأزمات (بما فيها سياقات الطوارئ)”. بينما الموضوع الثالث يتمثل في “إحياء اللغات التي يهددها الاندثار أو التي طالها بالفعل”، حسب المصدر ذاته.
اللغة الأم والهوية.. ارتباط وثيق
لحسن مادي، مدير مختبر البحث في علوم التربية والعلوم الإنسانية واللغات بالمدرسة العليا للأساتذة بجامعة محمد الخامس بالرباط، ثمّن احتفاء “يونسكو باعتبار دورها بهذا اليوم الذي له أهمية راهنية دوما، سواء بالنسبة للمنظمات الأممية الرسمية أو لمختلف الدول”.
وبسط مادي، في تصريح لانزي بريس، سياقات “ارتباط اللغة الأمّ بالهوية”، ما يجعل الاحتفاء بهذا اليوم “ليس من باب الاحتفاء الفلكلوري فقط”، بل لأن الأم هي “اللغة الأولى التي يتعلّمها الطفل بدون تعليمها المنظم تربويا في المدارس، هي تعلُّم تلقائي طبيعي عادي”.
ولم يغفل الخبير التربوي ذاته حضور “البُعد السيكولوجي” للغات بشكل قوي في تنشئة أي إنسان مهما تعددت بيئته الحاضنة اجتماعياً، قائلا: “الإنسان، وليس فقط التلميذ، يجد راحة كبيرة في الحديث باللغة الأم التي يُتقنها”، لافتا إلى أن “تعلم التلميذ المهارات والمعارف يسهُل باعتماد اللغات الأصلية عموما، لأنه سبق له التمكن منها قبل ولوجه المدرسة”.
وفي وقت “تتشبث فيه الدول المتقدمة باستعمال لغاتها الأم”، كالصينية، الإنجليزية واليابانية، أشار مادي إلى أن المشكل مازال مطروحا في الدول التي تعرضت للاستعمار، لاسيما في القارة الإفريقية، رغم أنها القارة الأكثر غنى من حيث معدلات التنوع اللغوي، وفق يونسكو.
ولفت الأستاذ ذاته إلى أن “المستعمر فرَض هذه اللغات بشكل كسَّر الدينامية اللغوية في هذه الدول، ما خلق صعوبات في التعلم لدى أجيال كاملة”، محذرا من “أثر سلبي لذلك على التعلمات” بحكم أن “المدرسة بمضامينها ومنظومتها قد تصير غريبة عن واقعه وهويته، أي لغته الأم التي تعلمها في سنوات طفولته الأولى. وفي وقت يُفترض أن تكون المدرسة استمرارا للحياة اللغوية العادية للمتعلّم، تصبح عامل هدر للمجهودات”.
“الهدر المدرسي واللغة الأم”
“يمكن ربط نسبة الهدر المدرسي المرتفعة بالمغرب بواقع مشكل استعمال لغة غير اللغة الأصلية الأم التي تعلم بها التلميذ أبجديات حديثه”، يردف لحسن مادي، متوقفاً عند أمثلة واقع تربوي صادم للتلميذ، الذي “يمضي كل تعليمه الابتدائي في خضم صراع لغوي”، ما يؤثر مباشرة على “بروز الكفايات والقدرات وتنميتها، ويطمس قدراته وإمكانياته”.
وحذّر الأكاديمي المتخصص في علوم التربية من أن يؤدي واقع استعمال لغة ليست اللغة الأم للمتعلّمين في “إذكاء شكوكهم في لغاتهم الأم وهوياتهم الأصلية والوطنية”.
ونبه في معرض حديثه لانزي بريس إلى أن “البداية تتطلب استثمار القدرات اللغوية التي دخَل بها المدرسة، بما يحبّبه في المضامين الجديدة وتقرّبه منها، وبالتدريج يمكن أن يكون هناك تعدُّد لغوي يسمح له بالانفتاح على العالم، لاسيما اللغة الإنجليزية كلغة علوم”.
العناية باللغة الأمازيغية و”تبسيط” العربية
بالمغرب، شدد مادي على ضرورة أن يكون “المنطلق العناية باللغة الأم في السنوات الأولى من التعليم الأولي، وفي هذه الحالة اللغتين الأمازيغية والعربية”.
وأكد على تلقين “اللغة العربية في شكلها البسيط، لتكون في متناول الجميع، مع العناية الكبيرة اللازمة باللغة الأمازيغية”.
يشار إلى أن “قضايا التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات وتعزيز التعليم للجميع وتنمية مجتمعات المعرفة، تمثل محاور مركزية في عمل يونسكو”. إلا أن هذه الأخيرة ترى أنه “يستحيل السير قدما في هذه المجالات بدون توفير التزام واسع ودولي بتعزيز التعدد اللغوي والتنوع اللغوي، بما في ذلك صون اللغات المهددة”.
ولأنّ قضية اللغات تقع في صميم اختصاصاتها في مجال التربية والعلم والعلوم الاجتماعية والإنسانية والاتصال والمعلومات، فقد أسندت الجمعية العامة إلى يونسكو دور الوكالة الرائدة فيما يتعلق بهذا الحدث.
[ad_2]