[ad_1]
تستعد العديد من العائلات من الطبقة المتوسطة لعدم إحياء شعيرة عيد الأضحى، ليس بسبب العوز، ولكن اختيارا؛ فهذه العائلات لا تخضع منطقها للأهواء الجمعية، ومن ثم تمكنت من فرض خيار يزاحم الضغط البنيوي الذي يمارسه المغاربة على أنفسهم كلما اقترب عيد الأضحى.
هل للأمر علاقة بالوعي بأن عيد الأضحى “سنة مؤكدة” وليس “فريضة”؟ وهل يمكن أن يكون غلاء المعيشة واللهيب المشتعل في أثمان الأغنام هذه السنة سببا في تكريس هذا الخيار أكثر من ذي قبل؟ بعض من أسئلة تطرحها انزي بريس على اختصاصي في علم النفس الاجتماعي وعلى خبير اقتصادي.
طبقات واعية
محسن بنزاكور، اختصاصي في علم النفس الاجتماعي، قال إن “جزءا كبيرا من الطبقة المتوسطة المغربية بحكم الوعي، يعي جيدا المسافة بين السنة المؤكدة والفريضة، لهذا حين يصبح الواجب الديني ناجما عن وعي، فهو يتيح مسألة الاختيار، وهذا ما تتمتع به الطبقة المتوسطة المتعلمة”، مبرزا أن “الأمر حين يصبح بمثابة قناعة وتسويغ ومبرر، فهذا يمنح الشعور بالاطمئنان”.
الطبقة المتوسطة، حسب بنزاكور، “وصلت إلى هذا الشعور، لذلك هي تكون في الغالب غير معنية بالحرج وبالضغط الرمزي الخفي الذي يمارسه المجتمع على الأفراد فيما يتعلق بالذبيحة”، موردا أن “جزءا آخر من هذه الشريحة حتى لا يحس بأنه أخل بالواجب الديني، فهو يقوم بتقديم صدقات أو المساهمة في حملات خيرية عوض نحر الأضحية”.
وسجل المختص في علم النفس الاجتماعي أن “التحولات القيمية التي يعرفها المجتمع المغربي جعلت العديد من العائلات أيضا غير معنية بهذه الشعيرة، رغم أنها عائلات مسلمة بالضرورة”، مشيرا إلى أن “هذه العائلات لا تقول ذلك، في العادة، علانية، لكنها لا تذبح، وتحتفظ بحياتها وطقوسها وتدينها بنوع من الخصوصية، التي لا تقبل التفاوض”.
وأضاف أن “هناك أيضا عائلات مسلمة تنتمي لطبقات اجتماعية مختلفة متوسطة وبورجوازية، ترفض الطريقة التي يتم بها ذبح الأضحية، وتعتبرها تعذيبا، فلا تحيي هذه الشعيرة”، موضحا أن “هذا التفكير حاضر بقوة عند الطبقة البورجوازية التي تفضل السفر للاصطياف والانعزال والإقامة في الفنادق حتى يمر عيد الأضحى، وقد فهمت الفنادق هذا الأمر واعتمدته كاستراتيجية تسويقية”.
وأجمل بنزاكور قائلا: “عيد الأضحى ليس ركنا من أركان الإسلام، وقد تحول إلى طقس مجتمعي وثقافي، بل وإلى ضغط رهيب على الفئات الهشة في المجتمع، لكن حين يرتفع منسوب الوعي، فهو يصبح سنة مؤكدة كما هو في الأصل”، ذاكرا أن “معرفة هذه الحقيقة والوعي بها هو ما اهتدت إليه شريحة مهمة من الطبقة المتوسطة المغربية، ففضلت أن تعيش حياتها خارج توقيع المجتمع فيما يخص شعيرة عيد الأضحى”.
غلاء المعيشة
من جهته، قال إدريس الفينة، خبير اقتصادي، إن “ظاهرة العزوف عن أداء هذه السنة المؤكدة بدأت ترتفع نسبتها في السنوات الأخيرة، نظرا إلى التغيير في التركيبة الاقتصادية والاجتماعية الذي طرأ على مجموعة من الأسر المغربية”، لافتا إلى أن “الأسر لم تعد كبيرة كما كانت في السابق وفيها تراتبية عمرية: جد، وأب وأبناء، إلخ؛ بل صارت تتجه نحو العائلات الصغيرة، حيث يجتمع الأب وأبناؤه تحت سقف واحد، فيطبع حياتها منسوب مرتفع من الحرية”.
وأفاد الفينة، ضمن تصريح خص به انزي بريس، بأن “اتجاه الأسر في الطبقات المتوسطة نحو السكن الاقتصادي ساهم بشكل كبير في تكريس فكرة العزوف عن الذبح”، موضحا أن “الضيق في هذه الفضاءات السكنية المتمثلة في شقق داخل عمارات، صعب الاستمرار في إحياء هذه الشعيرة، فتأكد للعديد من العائلات أن الأمر سنة مؤكدة يمكن استثمار نفقاتها في أعمال رديفة، كالصدقة”.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن “هذه السنة ستشهد عزوفا أكبر نظرا إلى ارتفاع أثمان الأضاحي بشكل رهيب، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بالمغرب وغلاء المواد الأساسية”، مسجلا أن “اقتناء الأضحية سيشكل مغامرة بالنسبة للعديد من العائلات، لهذا من المتوقع أن تتخلى عن إحياء هذه الشعيرة، بسبب الوضعية الاقتصادية المتدهورة التي جعلت توقعات تروج بأن الطبقة المتوسطة يمكن أن تختفي نتيجة تضرر القدرة الشرائية”.
وختم المتحدث لانزي بريس بأن “الأسر المغربية اليوم لا تفكر في شراء الأضحية وحدها، بل تفكر كذلك في التكاليف المختلفة التي سترافقها”، مبرزا أنه “لتخفيف هذه التكاليف، تلجأ العديد من العائلات إلى الاشتراك في بقرة أو خروف كبير، وتوزيع اللحوم بالتساوي بين المساهمين، وهذه عملية اقتصادية غايتها التحرر من الكلفة المرتفعة، ويمكن أن يرتفع الطلب أيضا عليها، باعتبارها بديلا عن الغلاء الفاحش”.
[ad_2]