[ad_1]
كشف عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، عن الأرقام المسجلة فيما يرتبط بالمسار القضائي للأحداث على مستوى القضايا المسجلة، حيث بلغت 24 ألفا و592 قضية خلال سنة 2022؛ بينما بلغ عدد المتابعين من الأحداث 29 ألفا و412 خلال السنة ذاتها، فيما وصل عدد المعتقلين احتياطيا إلى 355 معتقلا عند متم شهر ماي المنصرم.
هذه المعطيات، التي قدمها المسؤول الحكومي سالف الذكر إبان افتتاح أشغال المناظرة الوطنية حول “حماية الأطفال في تماس مع القانون” المنظمة بالصخيرات خلال الفترة الممتدة من 19 إلى 21 يونيو الجاري، طرحت أسئلة كثيرة حول الدوافع التي تجعل قاصرين مكانهم الطبيعي هو المدرسة في مخافر الشرطة أو في مراكز الإصلاح والتهذيب.
فما الأسباب الظاهرة والخفية التي يمكنُ أن تتحكم في دفع قاصرين / أحداث إلى عوالم الجريمة؟ سؤال نقلته انزي بريس إلى علي الشعباني، الأستاذ الجامعي الباحث في علم الاجتماع، ليجيب معتبرا أن “الأسباب معقدة ومركبة؛ فهناك عوامل مجتمعية كثيرة تؤدي إلى انحراف الأطفال والقاصرين وتجعلهم ينتمون إلى عالم لا يشبه أجواء الطفولة بالضرورة”.
وأوضح الشعباني، أيضا، أن “من بين تلك الأسباب يوجد أولا أننا نعيش في مجتمع تختلف أوصافه؛ فجزء يعتبرنا مجتمعا ناميا، وجزء آخر يعتبرنا مجتمعا متخلفا، وجزء يخفف من وطأة حكمه أو خلاصته ويقول إننا مجتمع سائر في طريق النمو”، لافتا إلى أن “كل هذا يلقي بظلاله على التركيبة المجتمعية المتفردة للمغاربة، بما فيها الطفولة”.
كل الأوصاف التي تشخص طبيعة المجتمع المغربي، وفق المتحدث، “تدل في النهاية على أن هذا المجتمع غير مكتمل من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لذلك، لا بد أن تكون فيها إفرازات كثيرة على المستوى الاجتماعي؛ كالبطالة والفقر والتفكك العائلي والهشاشة والسكن الهامشي بالمدن الكبرى، والانفجار الديمغرافي، إلخ”.
كما أفاد الأستاذ الجامعي المتخصص في علم الاجتماع بأن “هذه العوامل يمكن أن تجتمع في حالات، وأن يحضر بعضها في حالات أخرى؛ لكنها يمكن أن تكون لها علاقة مباشرة بانحراف الأحداث والقاصرين”، مشيرا إلى أن “ثمة أطفالا بالمغرب تم التخلي عنهم ووجدوا الشوارع ملاذا وحيدا، فاحترفوا الجريمة وهم في سن صغيرة. كما أن هناك أطفالا كان لهم المصير ذاته، لأن أسرهم فشلت بشكل ذريع في تربيتهم أو في إدماجهم في الوسط العائلي”.
في النهاية، وجد الشعباني أن “هذه الأرقام المخيفة هي علامة على الصعوبات التي نواجهها في مجال النهوض بأوضاع الطفولة”، مؤكدا أن “تجاوز هذه الآفات يأتي عبر مواجهة الأسباب المباشرة المتحكمة فيها، من قبيل التفكك الاجتماعي والضعف الاقتصادي والتوسع العمراني، وكذلك مجموعة من المبادئ الثقافية التي تدفع الكثير من الأطفال إلى مغادرة المحيط العائلي”.
لهذا، اعتبر المتحدث ذاته أن “الحد من الهدر المدرسي من شأنه أن يقلل من هذا الرقم؛ لأن معظم المنحرفين من القاصرين لا يدخلون إلى المنظومة التربوية والتعليمية التي يمكن أن تكون سدا منيعا يحميهم من الانحراف ومن كافة السلوكات الخارجة عن القانون.. وإما أنهم دخلوا، فغادروها، لكونهم لم يعثروا على شيء يريدونه. ومنه، فلا خلاص غير إدماج الأطفال في المدارس التعليمية”.
لكن، ما يجب التذكير به أن عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، لم يقدم الأرقام فقط؛ بل أكد، بالمقابل، في اللقاء ذاته، أن وزارته تأخذ وضعية هؤلاء القاصرين بعين الاعتبار. ومن ثم، هي تسارع الزمن لإخراج مشاريع قوانين جديدة إلى الوجود؛ من قبيل القانون الجنائي، وقانون المسطرة الجنائية، ومشروع قانون العقوبات البديلة، ومشروع إعداد مدونة الطفل.
وهبي قال، كذلك، إن هناك سعيا متواصلا إلى تطوير خدمة العمل الاجتماعي ونظام المساعدة القضائية وإحداث مركز للعلاج من الإدمان في إطار تنفيذ تدابير بديلة للعقوبات تتناسب ووضعية الأحداث كالعقوبات البديلة المرتبطة بالعلاج والتأهيل والتكوين وتعزيز صلاحيات ومهام المساعدين والمساعدات الاجتماعيات داخل المسار القضائي للأحداث أو أثناء تتبع تنفيذ التدابير.
وتعليقا على هذه المعطيات، قال المختار أعمرة، أستاذ القانون الجنائي بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “هذه الأرقام التي كشف عنها وهبي هي تحصيل حاصل؛ بالنظر إلى الأعداد الغفيرة من القاصرين التي يحتضنها الشارع، كأطفال الشوارع والمتشردين، وما نشاهده في مواقع التواصل الاجتماعي من حضور غريب للأطفال والشباب، كالصراعات العنيفة أو التباهي بالانحراف أو التراشق بالآلات الحادة والسكاكين، إلخ”.
ولفت أعمرة، ضمن تصريحه لجريدة انزي بريس، أيضا، إلى أنه “رقم مخيف؛ لكنه ليس مفاجئا كثيرا، لأنه رقم متوقع من الناحية المبدئية بالنظر إلى ما صرنا نُعاينه، خصوصا في المباريات الرياضية وما تعرفه من شغب”، مؤكدا أن “الواقع المؤسف والمحزن والكارثي هو أن التنافس بين أطفال المجتمع المغربي يأخذ منحى “البوز”، أي أنه إذا أردت أن تثبت تميزك، فذلك ممكن انطلاقا من درجة خطورتك على المجتمع”.
وعن العقوبات البديلة، صرح المختص في القضايا الأمنية والإرهابية بـ”أنها طروحات غير صائبة بالنظر إلى المنظومة”، معلنا تفهمه “لكون عبد اللطيف وهبي كان حقوقيا قبل أن يكون وزيرا”؛ لكنه شدد على أن “الإصلاح لا يأتي من معالجة العقوبات، وإنما بتفادي الجريمة حتى لا نصل إلى مرحلة العقاب، أي بالمعالجة الجذرية لدوافع انتشار الجرائم في أوساط التلاميذ والمنقطعين والقاصرين بشكل عام”.
السرقة، حسب المتحدث، أصبحت مهنة عند الأحداث، بما أنها أسرع وسيلة للإثراء أو لتحقيق الرغبات”، مبرزا “أنهم يقومون بذلك “بالخطف أو تحت التهديد بالسلاح.. ونرى الآن أن السرقة تتم في الشارع العام في وضح النهار عن طريق استعمال دراجات نارية ذات محرك”، متسائلا “لماذا هؤلاء ليسوا في المدرسة؟ هل السياسة التعليمية فاشلة؟ هل افتقدت المدرسة العمومية لدورها التربوي وصار دورها التلقين فقط؟”.
وأجمل المتحدث تصريحه وهو مستمر في التساؤل حول “هل الجو العام داخل المدرسة المغربية ليس مغريا للبقاء؟ وهل عالم الجريمة هو مستقر كل من غادر المدرسة مثلا؟” محذرا، في النهاية، من دور ما وصفه بـ”الإعلام الشعبوي” في منح الفرصة لمنحرفين قاصرين للحديث أمام الكاميرا، رغم أنهم يشكلون قدوة سيئة للعديد من المراهقين والقاصرين الآخرين، بما أنهم في مرحلة متسمة بحب التجربة وبالتأثر بأي شيء واكتشاف أي شيء”.
[ad_2]