[ad_1]
أكدت دراسة معمقة أعدتها النيابة العامة حول زواج القاصرين بالمغرب ارتباط الظاهرة بعدة أسباب متشعبة، يتداخل فيها ما هو اجتماعي بما هو اقتصادي وثقافي وديني وقانوني وقضائي، فيما عمد القائمون عليها إلى إجراء بحث ميداني بإقليم أزيلال، شمل عينة ضمت 2300 فتاة.
وتم الاستماع في الدراسة الميدانية إلى 2300 فتاة كن موضوع إذن بزواج قاصر في الفترة الممتدة بين سنتي 2015 و2018، وذلك من خلال الاعتماد على مؤشرات ترمي إلى البحث في الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى اتخاذ قرار تزويج البنت وهي قاصر.
وتتبعت الدراسة بشكل دقيق وضعية القاصرات ضحايا الزواج المبكر منذ ولادتهن والبيئة التي نشأن فيها والتعليم الذي تلقينه، مرورا بنشاطهن المهني ووضعهن الاجتماعي، والوضعية الحقيقية للأسر التي ينحدرن منها؛ مع البحث في كيفية ترتيب هذا النوع من الزواج، وما تحصلت عليه القاصر وأسرتها من ورائه، فضلا عن معطيات خاصة بالأزواج الذين أقدموا على الزواج من قاصرات؛ ثم الانتقال إلى البحث عن النتائج المترتبة عن هذا الزواج، سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو القانونية.
ارتفاع السن
خلصت الدراسة إلى أن ظروف نشأة القاصر ومحيطها العام شكلا عاملين حاسمين في تحديد مسارها المستقبلي في تحقق الفارق بالتحاقها بمقاعد الدراسة، واكتساب مهارات التعلم، وإلا “سقطت بشكل مبكر في الزواج، فتغدو ضحية حرمان من حقوقها الطبيعية والدستورية في التنشئة السليمة، كما تتحول لاحقا في أغلب الحالات إلى منتجة للقيم نفسها التي أدت بها إلى الزواج المبكر”.
ومن خلال الوقوف على المعطيات الشخصية للقاصرات موضوع الدراسة ومحيطهن الاجتماعي، أبرزت الدراسة أن سن القاصر قبل الزواج عرف “ارتفاعا ملحوظا بالمقارنة مع السنوات السابقة عن سنوات الدراسة الممتدة من سنة 2015 إلى سنة 2018″، إذ بلغ عدد القاصرات المتزوجات اللواتي يتجاوز سنهن 17 سنة أكثر من 1843 قاصر، من أصل 2300 اللواتي شملهن البحث، في مقابل قاصر واحدة سنها أقل من 15 سنة، و13 يتراوح سنهن بين 15 و16 سنة، و443 يتراوح سنهن بين 16 و17 سنة.
وأفاد البحث ذاته بأن أغلب القاصرات اللواتي يقل سنهن عن سبع عشرة سنة تزوجن بين سنتي 2015 و2016، وهو ما يعكس المجهودات المبذولة من طرف قضاة الأسرة المكلفين بالزواج، وكذا في جانب كبير انخراط قضاة النيابة العامة في مسطرة الإذن بتزويج قاصر بشكل إيجابي، تبعا للتوجيهات الكتابية التي تضمنتها الدوريات الصادرة عن رئاسة النيابة العامة في هذا الصدد، والتي كان من نتائجها التأثير في الاتجاه إلى تحديد السن الأدنى للإذن بزواج القاصر في 17 سنة كممارسة عملية.
كما أن الفئة العمرية المتراوحة بين 17 سنة و17 سنة ونصف هي الأكثر عرضة لخطر الزواج المبكر من غيرها، وكلما نجت الفتاة من خطر الزواج المبكر خلال هذه المرحلة إلا وانخفضت نسبة ذلك لاحقا.
وسجلت الدراسة النوعية أن العدد الإجمالي للقاصرات اللواتي تزوجن بعد بلوغهن سن 17 سنة ونصف أقل من اللواتي تزوجن قبل بلوغهن هذا السن، وهذا راجع بالأساس إلى “المعطيات الثقافية السائدة بالمنطقة، التي تشجع الزواج المبكر، وقد يفسره أيضا عزوف الأسر عن تحمل مشاق المسطرة القضائية في هذه المرحلة، وانتظارها إلى حين بلوغ الفتاة سن الرشد القانوني، حيث يتاح لها أن تتزوج خارج الاستثناء”.
وتحدثت الوثيقة ذاتها عن اللجوء إلى الزواج غير الموثق (الفاتحة) في انتظار بلوغ الفتاة سن الرشد لتوثيق العقد، وهو الأمر الذي “لا يتأتى في كثير من الحالات لأسباب عدة، أو قد يحدث حمل قبل بلوغها هذا السن فيصبح المشكل مضاعفا”.
الهشاشة الاقتصادية
كما اعتبر البحث أن العامل الاقتصادي من أهم العوامل المؤثرة في اتخاذ قرار تزويج الفتاة دون سن الرشد، إذ أن الزواج في كثير من الحالات يكون “حلا لتردي الوضع الاقتصادي للأسرة، فيكون قرار تزويج الفتاة وهي قاصر فرصة للتخلص من عبء مصاريفها”.
وخلصت الدراسة إلى أن الهشاشة الاقتصادية للأسر لها أثر بالغ في تفشي ظاهرة زواج القاصرات، بالإضافة إلى عـدم تمكين المرأة من وسائل إنتاج تضمن استقلالها المالي، من خلال “الانصياع شبه التام للفكر المسيطر على الأسـرة، ألا وهو فكر من يمتلك الموارد الاقتصادية الخاصة بها، ويتحكم في توزيعها من خلال الإنفاق، وتوفير المستلزمات الضرورية، وهو ما يظهر أكثر من خلال تحليل الوسط الاجتماعي للقاصرات موضوع الدراسة”.
ومن خلال تحليل الوضع الاقتصادي للأسر التي تقدم على القبول بتزويج بناتها القاصرات، والمهن التي كانت تمارسها القاصر قبل الزواج، ومن كان يتولى الإنفاق عليها قبل زواجها، يظهر أن أغلبهن “لا يمارسن أي مهنة، أو يمارسن أنشطة مرتبطة أساسا بالوضع المعيشي اليومي للأسرة، تعتبر جزءا من البرنامج اليومي للمرأة بمنطقـة أزيلال، كبعض الزراعات المعيشية والرعي، وبعض الحرف اليدوية، خاصة النسيج الذي يمارس عادة في البيت”.
وكشفت المعطيات الإحصائية للدراسة أن 2283 من القاصرات يشتغلن داخل البيت ولا يمارسن أي مهنة خارجية، و909 يمتهن رعي الماشية، و810 يمتهن الزراعة، فيما تتوزع الباقيات على مهن هامشية مختلفة.
وأوضحت المعطيات ذاتها أن القاصرات اللواتي يقبلن على هذا النوع من الزواج، أو اللواتي يتم تزويجهن بهـذه الطريقـة، “ليس لهن في الغالـب دخـل قـار، بمـا في ذلـك اللواتي يمارسن الزراعة والرعي وبعض الحرف، حيث يكون نشاطهن في الغالب لفائدة العائلة وليس لحسابهن الخاص”.
وخلصت الدراسة إلى أن المعطى الاقتصادي للقاصرات إلى جانب مستواهن التعليمي ونضجهن الفكري عوامل تساهم في خلق “حاضنة لفكرة الزواج المبكر، وتدفع القاصرات وذويهن إليه دفعا”.
الموظفون حاضرون
بخصوص المهن التي يزاولها آباء القاصرات، بينت المعطيات ذاتها أن حصة الأسد من هذه المهن تعود للفلاحين بنسبة 38.91٪، يليهم البناؤون بنسبة 16.82٪، فالعمال بنسـبة 15.27٪، ثم فئة التجار بنسبة تتجاوز بقليل 5٪، فالمتقاعدون، ثم الموظفون بنسبة أقل من 1 ٪، بينما تتقاسم باقي المهن نسبة 11٪.
أما بالنسبة لمهن الأمهات فغالبيتهن ربات بيوت، إذ تقدر نسبتهن بـ94.64 بالمائة، غير أن الدراسة سجلت بشكل لافت مصادفة عدد من الحالات التي شكلت فيها مهنة الأب أو الأم “استثناء”، على اعتبار أن أصحاب تلك المهن يعتبرون مبدئيا من فئة المثقفين: كـ”الموظفين، ورجال التعليم، ورجال الدين”.
وشددت المعطيات الواردة على أن حضور الموظفين ضمن الآباء الذين يقبلون تزويج بناتهم في سن مبكر يبين بشكل جلي أن فكرة زواج القاصر “ليسـت حكرا على فئة اجتماعية بعينها، ولكنها تمس كل الشرائح الاجتماعية”.
[ad_2]