[ad_1]
رغم حلول عيد الفطر المبارك، هذه السنة بالمغرب، في ظرفية صعبة من الناحية السوسيو- اقتصادية، لم تُثن ظروف ارتفاع أسعار مواد استهلاكية أساسية في سلة غذاء المغاربة، خلال رمضان، ملايين المواطنين والمواطنات عن إحياء طقوس العيد كما يليق بالمناسبة من تبجيل وتقديس.
وكعادتها كل سنة- ما عدا الأعوام التي تأثرت فيها طقوس شعيرة العيد بتداعيات حالة الطوارئ الصحية التي نتجت عن “كوفيد”- لم تغب الأجواء الاحتفالية عن أغلب المصلَّيات والمساجد منذ الساعات الأولى من صباح السبت 22 أبريل الجاري، الذي وافق الاحتفال بأول أيام عيد الفطر المبارك بالمغرب؛ بل رصدت عيون رواد مواقع التواصل “ازديادا ملموسا” في منسوبها.
شباباً وشيبًا، ذكورا وإناثاً، صغاراً وكباراً، حجّ المغاربة لحضور صلاة وخطبة العيد في أجواء روحانية خاصة، بصمها الفرح باكتمال شهر من الصيام والقيام وصالح الأعمال التي تقربوا بها إلى الله.
القيَم على المحك!
من الناحية القيمية، سواء كانت تمتح من التعاليم الدينية أو التقاليد والعادات المجتمعية، يطرح عيد الفطر المبارك سؤال قيَم التراحم والتضامن العائلي وصلة الرحم بين الأسر على مِحك “الاندثار الاجتماعي”، في ظل تغيرات متسارعة ملحوظة، لا سيما في عصر الرقمنة ووسائل التكنولوجيا، لم تسلم منها منظومة القيم بمختلف أبعادها.
محسن بنزاكور، الدكتور المتخصص في علم النفس الاجتماعي، قال: “يجب الفصل بين القيم والمعتقد كتمثُّل، والسلوك الذي تفرضه الوقائع الاجتماعية”، لافتا إلى أن “المغرب تأتي احتفالاته الحالية بعيد الفطر في ظل ما نسميه ضغوطات دولية وأخرى اجتماعية؛ فالكل عاش أزمة “كوفيد”، ثم مباشرة تداعيات الحرب الأوكرانية، التي أفضت إلى ظروف اجتماعية ضاغطة تسببت فيها صدمة التضخم وغلاء الأسعار والقدرة الشرائية المتدهورة”.
وسجل بنزاكور، في تصريح لجريدة انزي بريس الإلكترونية، أن “الذي يناقِض هذه المسألة، أي أن القيم لم تتأثر بهذه الأزمة، هو سلوك الفرح وزيارة الأهل، أما القيم فظلت كما هي”، مستشهداً بهذا الخصوص بـ”أرقام آخر إحصاء لوزارة النقل، إذ لم يكن هناك إقبال على السفر لزيارة الأقارب في عيد الفطر لعام 2023 كما هو معتاد، اعتماداً على مؤشرات التنقل عبر القطارات والمحطة الطرقية “أولاد زيان”، مما يعني إقبالا ضئيلا جدا نتيجة وجود أزمة مالية”.
أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة الحسن الثاني (كلية المحمدية) تابع شارحاً فكرته “هذا لا يعني بتاتا أن قيم المغاربة تراجعت، على اعتبار أن مصليات المملكة امتلأت كلها عن آخرها، مدفوعين بنوع من الاحتفالية واستمرار الآثار الدينية لرمضان؛ وهو دليل عكسي يفند ما يروج عن الاندثار الاجتماعي للقيم”.
ولم يُخف بنزاكور تحفّظه القوي على الفكرة التي تقول باندثار القيم في المغرب، قبل أن يستدرك بأن “بعض الظروف الاجتماعية تجعل بعض القيم تختفي في ظرفية معينة وقد تعود في ظرفية أخرى إذا أُتيحت”.
وفي هذا الصدد، ضرب الخبير الاجتماعي المثال بـ”إلغاء شعيرة عيد الأضحى بسبب الأزمة التي اضطرت الملك الراحل الحسن الثاني إلى اتخاذ هذا القرار، إلا أن ذلك لم يُقصد به عدم امتثالنا للقيم”، مبرزاً أنه “حينما ندّعي بأن قيَما معينة اندثرت فإن ذلك يكون في ظروف مواتية لإقامة الشعائر ويمتنع المواطنون عن ذلك؛ وهو ما يلاحظ مثلا عند بعض الطبقات الاجتماعية الغنية، التي تمتنع عن شراء أضحية العيد وتفضل بدل ذلك الإقامة في الفنادق والسفر، عكس السواد الأعظم من الفئات المتوسطة النشيطة التي تتمسك بالقيم”.
“الأزمات تزيد المغاربة تشبثا بالقيم”
بنزاكور أبرز أن “أغلب أفراد الفئات الاجتماعية بالمغرب لا يزالون يعتقدون في القيم الدينية والاجتماعية، لكنها قد تكون اختفت بسبب الأزمة، بيد أنها ستعود بمجرد انتهائها”. وتابع قائلا: “التاريخ الأنثروبولوجي للمغرب يُخبرنا أن “المغاربة شعب مرّت عليه أزمات أثقل وأقوى من الأزمة الحالية، إلا أنه خرج منها أقوى”.
“الأزمات تزيد المغاربة- عموما- تشبثاً بالقيم”، يخلص أستاذ علم النفس الاجتماعي، لافتا إلى أن “عبارات من قبيل: توحْشْنا هاد الأجواء، ولو لم تكن هذه الأزمة لفعَلنا كذا… دليل على عقلية الاحتفالية لدى المغربي الذي يحب التقاليد، شئنا أم أبيْنا”. وأوضح أن “اعتبارات سوسيولوجية تُخضع الفرد للواقع، مما يستوجب الذهاب إلى عمقها بدل الاكتفاء بالظاهر”.
[ad_2]