[ad_1]
بعدما كانت الأسر المغربية في السابق تنتظر بفارغ الصبر حلول عيد الأضحى لنحر الأكباش وصلة الأرحام، صار هذا العيد اليوم ومعه الأضاحي ضيوفا ثقيلة على عدد من أرباب الأسر، خاصة من ذوي الدخل المتوسط والمنخفض، الذين يجدون أنفسهم في هذه الفترة بين سندان ارتفاع أسعار المواشي ومطرقة “الحرج الاجتماعي”، الذي يجعل الكثير من العائلات لا تتقبل فكرة عدم شراء أضحية العيد، ولو بلجوء معيل الأسرة إلى الاقتراض من باب أن “الغاية تبرر الوسيلة”.
ومن أجل تحقيق هذه الغاية يلجأ عدد من المغاربة إلى طرق مختلفة لاقتناء أضحية العيد وإدخال الفرحة والسرور على زوجاتهم وأبنائهم، سواء عن طريق الاقتراض من مؤسسات التمويل الأصغر أو شراء الأضحية بالتقسيط من المؤسسات التجارية التي توفر عروضا مغرية في هذا الصدد، أو الاستدانة من معارفهم، تفاديا لما قد يتعرضون لهم من مشاكل داخل الأسرة، ليتحول بذلك إحياء هذه المناسبة الدينية، بالنسبة للكثيرين، من سنة مؤكدة هدفها التقرب إلى الله إلى “صراع مؤكد” مع الوضعية الاقتصادية الصعبة من جهة، والتمثلات الاجتماعية في هذا الصدد من جهة أخرى.
الغلاء يدفع إلى الاقتراض
في هذا الصدد قال زكرياء فليس، محلل اقتصادي، إن “المغرب عرف في الآونة الأخيرة ارتفاعا في أسعار المواد الاستهلاكية بنسبة 16,8 في المائة حسب المندوبية السامية للتخطيط، وهو ما يمكن إرجاعه إلى موجة التضخم التي عرفها العالم، ووصلت في المغرب هذه السنة إلى 10 في المائة، وهو أعلى معدل منذ سبعينيات القرن الماضي”.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة انزي بريس، أن “توالي موجات الجفاف مع ما نجم عنها من انعدام للكلأ وارتفاع أسعار العلف تسبب في أضرار لمربي الماشية، وهو ما انعكس بدوره على ثمن الأضاحي الذي عرف ارتفاعا مهولا هذه السنة بنسبة تتراوح ما بين 20 و40 في المائة”.
ارتفاع أسعار المواشي هذا “دفع العديد من الأسر المغربية من الطبقات المتوسطة والطبقات الهشة إلى اللجوء إلى الاقتراض من أجل تأمين المبلغ المرتفع للأضحية”، يضيف المحلل عينه، مبرزا أن “عامل الاقتراض من مؤسسات القروض الصغرى أو مؤسسات التأمين، أو حتى من المعارف، يزيد من وطأة أزمة هذه الفئة من العائلات المغربية، بسبب وضعيتها المالية التي أثقلتها أصلا قروض السكن والسيارات ومصاريف الدراسة وغيرها من المتطلبات الأخرى”.
وخلص المحلل الاقتصادي إلى أنه “رغم ارتفاع أسعار الفائدة فإن ظاهرة الاقتراض من أجل شراء الأضاحي تبقى دائمة متفشية بسبب هيمنة ثقافة شراء الخروف، رغم أن الأمر يتعلق بسنة مؤكدة لا غير”.
ظاهرة مناسباتية وحرج اجتماعي
من أجل فهم الأسباب الاجتماعية والنفسية التي تؤطر هيمنة هذه الثقافة المنتشرة داخل أوساط فئة عريضة من المجتمع المغربي، توجهت جريدة انزي بريس بالسؤال إلى محسن بن زاكور، دكتور في علم النفس الاجتماعي، الذي أكد أن “ما تعانيه الطبقات الفقيرة والمتوسطة في المغرب من مأساة وحرج بخصوص أضحية العيد ينطوي على أبعاد اجتماعية خطيرة تشكل خطرا على الاستقرار الأسري والمالي والنفسي للعائلات المغربية”.
وأضاف المتحدث عينه أن “الطبقة الاجتماعية ذات الدخل المحدود، التي تشكل الأغلبية حسب الإحصائيات الرسمية، هي الأكثر إحراجا في هذه المناسبة، وفي الوقت نفسه هي الأكثر تشبثا بأضحية العيد، ذلك أنه كلما اتجهنا نحو هذه الطبقات كلما كان منسوب المعتقدات والتمثلات الشعبية قويا جدا، من ضمنها صورة الأسرة أمام الآخر”.
وبمقتضى هذه الصورة، يضيف بن زاكور، فإن “ضغوطا تمارس على رب الأسرة رجلا كان أو امرأة، فيضطر إلى المغامرة باستقراره المالي ويلجأ إلى الاقتراض، وأحيانا لدى أفراد من عائلته، ومن هنا يظهر هذا التناقض في السلوك الناجم عن الرغبة في التشبه بالآخر، الذي يجعل رب الأسرة يقترض من أقربائه غير آبه بصورته أمامهم، على ألا يضر بصورته أمام جيرانه أو محيطه المجتمعي”.
الأمر لا يتوقف عند “التكلف والاقتراض” من أجل اقتناء الأضحية، بل تعداه إلى “اقتناء أضحية بمواصفات معينة يفوق ثمنها أحيانا قدرة من له دخل مرتفع، فما بالك بذوي الدخل المحدود”، يوضح بن زاكور، مبرزا أنه “في حالات كثيرة يتعرض الإنسان العاجز عن توفير أضحية بمواصفات محددة لإهانات من أفراد أسرته ويصبح معرة، مع ما ينجم عن ذلك من تهديد لاستقرار الأسر”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن “مفهوم عيد الأضحى في المغرب لم يعد مفهوما دينيا صرفا، بل أصبح ظاهرة اجتماعية ومناسباتية بامتياز، لأنه إذا أطرنا هذه المناسبة في سياقها الديني فإنه يستحيل على الإنسان الإقدام على إثقال كاهله الذي قد يصل أحيانا إلى بيع أثاث المنزل من أجل توفير كبش العيد”.
هل يجيز الشرع الاقتراض من أجل الأضحية؟
سؤال توجهت به جريدة انزي بريس إلى لحسن بن إبراهيم السكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لعمالة الصخيرات تمارة، الذي قال: “إن الأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها، وتسقط عن الذي لا يملك ثمنها؛ هذا هو الأصل، ويجوز الاقتراض لشراء الأضحية إذا كان الشخص قادرا على أداء الدين بشكل لا يؤثر على سير حياته العادي، ولا يشكل تكليفا ماديا فوق طاقته”.
“أما من لم تكن له القدرة على رد الدين أو أن يشكل له عنتا، فتحرم عليه الاستدانة قطعا”، يضيف السكنفل، وزاد موضحا: “استعاذ النبي عليه السلام من غلبة الدين، بقوله صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال”.
وحول حكم اشتراك عائليتين أو أكثر في أضحية واحدة، أوضح المتحدث ذاته أن “فقهاء المالكية يقولون: ‘إن النُسك لا يتبعض’، أي إن الأضحية لا يجوز الاشتراك في ثمنها، بل يجب أن يشتري الشخص الأضحية بماله، وأن يُشرك معه أقاربه الذين يسكنون بجانبه في الأجر؛ فيجوز الاشتراك في الأجر دون الثمن”.
[ad_2]