مطالبة “البيجيدي” بمنع فيلم يتضمن مشاهد المثلية تثير حفيظة نقاد السينما

فنون و إعلام

[ad_1]

استنكرت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية عرض فيلم “أزرق القفطان” بما يشكله ذلك من “تجاوز خطير للقيم الدينية الوطنية للشعب المغربي المسلم”، مطالبة بإيقاف عرضه بصالات العرض بذريعة أنه يتضمن مشاهد لمثليين، معتبرة ذلك “ترويجا للشذوذ الجنسي في القاعات السينمائية المغربية”.

ما قاله حزب “المصباح” في بلاغ صدر عن الأمانة العامة نوقش في اجتماع تم عقده برئاسة عبد الإله بنكيران، الأمين العام لـ”البيجيدي”، الخميس الماضي؛ لكنه ما يلفت أن الحزب دعا “الجهات المسؤولة إلى منع هذا العرض، وتطبيق القانون الجاري به العمل، والذي سبق اعتماده في ماي 2015 لمنع عرض فيلم من نفس الجنس أنتجته نفس الجهة المعروفة بتوجهاتها المعادية لثوابت الوطن ولمقدساته”.

وحيّت الأمانة العامة الفنانين المغاربة الذين يرفضون الانخراط فيما اعتبرته “مشاريع تدمير الهوية والثوابت وتحطيم الأسرة المغربية، داعية إياهم إلى التصدي لمثل هذه المحاولات التي تسيء إلى الرسالة النبيلة للفن بشكل عام وللسينما بشكل خاص”.

خرجة حزب العدالة والتنمية خلقت مجددا نقاشا قديما بالمغرب حول “الصراعات الخفية القاسية” بين دعاة الفن ودعاة الدين؛ فالفريق الأول لا يزال يؤكد على طرافة العملية الفنية وأصالتها وضرورة تخليصها من النقد الديني والأخلاقي، بينما الفريق الثاني يصر على الانتصار للفن كخادم أمين للدين وكوسيلة لنشر الفضيلة في المجتمع.

لكن هل خرجة بنكيران هذه تشكل دعوة مبطنة لإعادة مفاهيم من قبيل “الفن النظيف” إلى الواجهة؟ ولماذا لا يزال المدافعون عن الفن كقيمة يعتبرون الفن غير المتحرر من ربقة الأخلاق رجعيا أو ابنا إبداعيا، بشكل حصري، لما يعتبرونه “تقليدانية”؟

خرجة سياسية…

الناقد الجمالي موليم العروسي قال إن “خرجة حزب بنكيران هي في حمضها النووي خرجة سياسية؛ وبالتالي لا علاقة للأمر بالفن، نظرا لأن بنكيران فاعل سياسي وليس فنانا أو ناقدا فنيا”، مضيفا أن “حزب بنكيران بهذه الخرجة يعود إلى تيمات ومبررات نفعته في السابق، قبل أزيد من عقد من الزمن، كـ”الفن النظيف” والنقد الأخلاقي”.

وهذه المواضيع، حسب ما قاله العروسي لانزي بريس، “كانت مفيدة على مستوى الحشد في السابق؛ لكن هذا الفاعل السياسي لا يريد أن يستوعب أن مخاطبة الوازع الديني، لم تعد بتلك الطرافة القديمة”، موضحا أن “الناس فهمت أن هذا مجرد كلام انتخابي، بما أن درجة الوعي عند المغاربة مرتفعة فيما يخص الفصل بين الإسلام وبين الإسلام السياسي”.

وأفاد الناقد الجمالي أيضا أن ما “يقوله بنكيران وحزبه لم يعد مادة دسمة حتى على مستوى الإعلام”، لافتا إلى أن “هذه الخرجة توضح تجاوزا جديدا، مثل كل التجاوزات السابقة والرغبة في إقحام النقاش الأخلاقي في صلب النقاش الفني، رغم أنها محاولات فاشلة، حتى لو كانت ناجعة في السابق”.

بالنسبة للمتحدث، فإنه “بعد انتخابات 8 شتنبر، يجب أن ينصب بنكيران وحزبه على اهتمامات أخرى. أما الجدل السابق وخلق نقاشات هامشية غير سياسية في عمق العملية السياسية، فهذا أمر بلا أية قيمة حقيقية”، معتقدا أن “وهج الأخلاقيات صار ورقة محروقة سياسيا، والخطاب الأخلاقي في السياسة مجملا صار خيارا لم يعد مجديا”.

وأجمل العروسي قائلا بأن الأطراف المخول لها الرد على فيلم مريم التوزاني، الذي شارك في فعاليات الأوسكار، هم أصحاب التخصص من النقاد والفنانين والمتتبعين للشأن السينمائي، باعتبارها مهمتهم الحصرية، وتمنحهم الكثير من المصداقية”.

الفن بعيد…

إدريس القري، ناقد سينمائي، اعتبر، في تصريحه لجريدة انزي بريس، أنه “من غير المقبول مبدئيا التدخل في العملية الإبداعية، في كل الفنون بما فيها السينما، لسبب بسيط هو أن السينما تراهن على التجديد وتجاوز ما هو قائم، أي النمطي والمعتاد والمُكَرر والمستهلك”، موضحا أن “هذه المهمة تقتضي هامشا للحرية، وفي الأصل لا إنكار أو إقصاء أية فئة من المجتمع، حتى لو كانت تشكل أقلية”.

الذي يقصده القري هو أن “المثليين وجدوا بالمغرب حتى قبل وجود حزب العدالة والتنمية، وأن يعالج فيلم ما هذا الموضوع، فهذا يبقى في صميم الإبداع، الذي ينبغي أن يظل بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة”، مؤكدا أن “الإبداع يمارس في مجتمع له ثوابته وقيمه ومقدساته؛ ولكن الثوابت والحدود يجب ألا تلتهم كل هامش التعبير، ويجب أن تبقى محصنة من الرقابة والمنع والمصادرة”.

هذه الأساليب، وفق القري، “لا تثمر تقدما واحتراما متبادلا، بل قمعا متبادلا حسب تطور الأوضاع السياسية والسلطوية”، مشيرا إلى أن “السينما في أحشائها تحمل قدرة عميقة على الدفع بعملية التفكير؛ لكنها في عمقها أيضا يوجد الصفاء والحياد، بالمعنى الإيديولوجي والسياسي أي أخذ مسافة عن ما له علاقة بالحسابات والمزايدات الضيقة”.

القري سجل أن “الزج بالسينما في متاهات السياسة هو عملية مرفوضة، لكونها تعبيرا عن الرغبة في استغلال التاريخ المشترك أو الذاكرة الجماعية، سواء كانت دينا أو فنا أو فكرا أو علما”، خالصا إلى أن “الدفاع ليس عن الفيلم في حد ذاته، بل عن السينما وعن الإبداع والحرية”، مشيرا إلى أن “الحسابات السياسية والمصالح الحزبية الضيقة يجب أن تترك السينما في علاقتها بالمتخصصين، وهذا ليس حجرا على حرية التعبير، بل تنظيما لنطاقات التخصص”.

الفن ابن الثقافة

في المقابل، اعتبرت جهات تدافع عن “الفن النظيف”، من ضمنها حزب العدالة والتنمية، أن هذا الفيلم يشكل “تجاوزا خطير للقيم الدينية والوطنية المغربية، واعتبروا تضمين مشاهد مثلية في الفيلم بمثابة انعكاس لإمعان في انتهاك القيم الأخلاقية والتربوية التي يعتقدها الشعب المغربي المسلم، وضمن مشروع غربي خارجي يروم مشروعا لتدمير الهوية والثوابت المغربية”.

الحسن تيكبدار، باحث في التراث الديني، اعتبر أن “الفن هو فاعلية بشرية تعتمد على الإبداع، باعتبار الأخير هو إنتاج شيء من لا شيء، فالإبداع لا يقوم على تكرار الواقع ونسخه كما هو، بل هو في مقابل ذلك يخلق عوالم جديدة، تنفتح على المستقبل”.

وأضاف تيكبدار، في تصريح خص به جريدة انزي بريس، أن “الأمر يعكس نقاشا كبيرا حول الصراع واصطدام الفن بالقوى التقليدية التي تروم المحافظة على نفس النسق الاجتماعي وعلى الهوية الوطنية والأمن الروحي”، مشيرا إلى أن “هذا أيضا جعل جزءا من الفن المغربي ميالا بطبعه الى التمرد على الواقع، وفسح المجال أمام الروح البشرية إلى معانقة عوالم خيالية أرحب”.

وشدد المتحدث عينه على أن “المغاربة يريدون دوما الفن الذي ينهل من روافدهم الثقافية والدينية والتاريخية وغناهم الحضاري الذي يشكل الاستثناء المغربي عالميا في إطار تمغربيت التي تجمعنا وتقوينا”، مبرزا أن بعض الأعمال السينمائية ترفض مطلقا لكونها لا تعكس الشخصية المغربية، والأخيرة تتجنب دوما الاصطدام مع أشكال التنوع الاجتماعي المثير للجدل وتفضل التمسك بفن مغربي منفتح على العالم؛ ولكن مع مراعاة الخصوصيات المحلية التي تجعلنا نحن الاستثناء بقيمنا وغنانا وأصالتنا”.

[ad_2]