[ad_1]
يتناحر سبعة أمراء طموحين من قبائل كثيرة ولكل واحد إلهه، يتقاتلون بشكل مستمر لتوسيع نفوذهم للتخلص من أعدائهم. أشباه يتنافسون ويستنجدون بالجيران، وكل واحد يفترض أنه الأحق ليكون ملك كل إنجلترا. وقد حلت ساعة الحقيقة في معركة حاسمة يصورها فيلم “لا بد من موت سبعة ملوك”Sevenkings must die 2023 من إخراج إدوارد بازلجيت. السيناريو مقتبس عن رواية بالاسم نفسه للكاتب البريطاني برنار كرنويلBernard Cornwell .
فيلم عن المذبحة المجيدة المؤسسة للدولة، يقتبس السيناريو واقعة حرب برومبروغ Bromborough التي جرت عام 939 م. كتب مؤرخ أنها واقعة ملحمية “تقشعر لها الأبدان من حوادثها وتذوب القلوب من تتبع قصتها”.. نظير سعداوي “تاريخ إنجلترا وحضارتها في العصور القديمة والوسطى” ص 56.
معركة تناولها الشعراء والروائيون الإنجليز. للإشارة عرف المغرب تنصيب وخلع سبعة ملوك بين 1727- 1757م بعد وفاة السلطان إسماعيل العلوي، وواحد منهم بويع وخلع سبع مرات. وحسب كتاب تاريخ الضعيف الرباطي ص 2. لم ترد هذه الواقع في أي رواية أو فيلم مغربي.
الحرب حل شامل. مملكة فيها سبعة ملوك أو أمراء لن تتقدم، دولة يقودها سبعة جنرالات لن تستقر… في البلد أسياد أكثر مما يجب. يجري تنافس بين قادة حقودين.. مؤمنون ووثنيون، ابن شرعي وابن زنا، جندي ومرتزق، ملوك طوائف يُصفُون الحساب بينهم لتولد المملكة الكبرى. كل طرف يجند أنصاره المتعطشين للدم ومن ضمنهم عرّافة تتفوه بتنبؤات خطرة. بهدف منح الموت دلالة فلا يبقى مجانيا. انتشرت نبوءة تقول إنه لا بد من مقتل سبعة ملوك. يحب البشر النبوءات التي تتحقق عن سبعة ملوك وسنابل وبقرات.
تنتشر المسيحية بقوة في البلاد، يقاتل الجنود بينما يدعو الكاهن ربّه لكي لا يتخلى عن إنجلترا. يبني الكاهن كنيسته فوق معبد الوثنيين… لا بد من مباركة إلهية لتحقيق الشرعية التي يتفوق بها على الآخرين. للزعيم أبعاد قبَلية ودينية… وحين يباركه الراهب يصير عنف الزعيم شرعيا.
الحرب حل شامل. حين يَضعف الزعيم يستعد الطامعون في الحلول مكانه بالتقاتل حوله، يرى صيادو الدم فرصة. كل ملك وأمير يقاتل وشعاره إنقاذ البلد.
هكذا تؤدي انقسامات زعماء الصف الثاني إلى سحق الشعب فيسيل دمه. ملوك صغار يرثون آباءهم ويتقاتلون. لذلك “لا بد من موت سبعة ملوك” صغار ليظهر ملك واحد كبير يوحد البلاد. لتحقيق النصر يحتاج الأمير الجديد أن يستأصل العائلة الحاكمة السابقة. يحتاج كل ملكٍ قائدَ جندٍ شجاع ومحنك (هو أوترد في الفيلم، أداء الممثل الألماني Alexander Dreymon). المحارب الأول بطل نموذجي، يتيم مخطوف رباه الغرباء يصبح خدوما للملك، ويستعيد أصله النبيل.. مقاتل ماهر يظهر الولاء للوطن ولا يظهر الولاء الكافي للملك قائده، كما كان حال أخيل مع أغاممنون في “الإلياذة” وفي فيلم حرب طروادة (troy 2004، من إخراج ولفغانغباترسون).
يحكي فيلم “لا بد من موت سبعة ملوك” عن المذبحة المجيدة المؤسسة، زمن امتزاج الإنجليز وتوحدهم.. ترصد الكاميرا تجليات الحرب. حرب بدائية تجري بما توفّر، خراب، جثث، حرائق، مطاردات، خوف… سيجد المشاهد العنف الشديد مُبررا بسبب السياق التاريخي… كل مجتمع مفكك يضم بذور حرب أهلية… دون وحدة الشعب ستعود عصور الظلام. لا بد من حرب أهلية يكون فيها البقاء للأقوى ويعلن طاقم الدعاية الديني الذي يخدمه أنه الزعيم الأصلح للأمة. هذا درس إنجليزي قديم: لا وحدة سياسية بدون حرب أهلية تصهر الاختلافات بالنار والدم.
يبدو أن نيتفليكس استخلصت فيلم “لا بد أن يموت سبعة ملوك” من سلسلة “المملكة الأخيرة” 2015- 2022، وهي واحدة من المسلسلات القروسطية التي قدمتها منصبة البث في السنوات العشر الأخيرة.
يحكي الفيلم والسلسلة بدايات تشكل الجغرافيا السياسية، في زمن يحلم فيه الأمراء الصغار بأن يصيروا ملوكا ثم أباطرة… وأبسط شرط هو أن يوفر الأمير القوي الطعام لجنوده وللقبائل التي تساندهم… وللخيول… دون هذا الهزيمة مضمونة. وأعقد شرط شاق ودموي هو صهر خليط قبائل متفرقة عرقيا ودينيا في شعب واحد متجانس… يثمر “روح أمة” متميزة.
ملك مستنير يوحد البلاد ويحرص على تطبيق القانون لإقرار العدالة. ملك مؤمن وقائد جيشه الشجاع وثني، كيف سيتحمله؟ في الجيش الجنود بشر لا ملائكة ويجب مخاطبتهم بالعصا والجزرة…
هنا تحل المشاكل بالقوة وليس بالإرادة الربانية… بسبب هذا النهج الفعال يتحمل الملك قائد جنده ويصغي له، لذلك وحد ملوك الطوائف في مملكة واحدة. لا قيمة للملك دون قائد جنده.
يبدو فيلم “لا بد أن يموت سبعة ملوك” مجرد بركة مقارنة من سلسلة “المملكة الأخيرة”، وهي نهر جارف يمتد خمسة مواسم. تتغير الولاءات طيلة السلسلة تبعا للمصالح وحسابات الربح والخسائر… هذا المسلسل هو أفضل درس في الميكيافيلية، مسلسل يمكن لأي كلية تاريخ أو علوم سياسية أن تشتغل عليه كمثال مفيد للطلبة.
مسلس عن القبائل الغازية والممالك المنهارة أو المجيدة وكيف تحقق ذلك.
ما علاقة هذا بما يجري الآن في العالم؟
يقول الفيلسوف الإيطالي بَنَديتو كروتشه “إن الاهتمام بالحاضر هو الشيء الوحيد الذي يحرك المرء للتحقيق في وقائع الماضي”.
هذه مسلسلات وأفلام ترد الاعتبار للتاريخ كوسيلة لفهم الحاضر الإنجليزي الصعب بعد البريكست ورحيل الملكة إليزابيت ووصول المهاجرين إلى المناصب الوزارية. كل مشاهدة لعمل فني سياسي تاريخي هي مشاهدة بعين الحاضر الذي يعيش حروبا مشتعلة في أوروبا وإفريقيا وأخرى وشيكة في شرق آسيا.
لقد استثمرت أفلام ومسلسلات نيتفليكس في الأنتروبولوجية السياسية على أمل “توضيح أصول المؤسسات الأولية والبدائية” السابقة لميلاد الدولة. (جورج بالانديه، الأنتروبولوجيا السياسية ص 184). في البدء كانت هناك قبائل وأديان وحروب وفوضى، تنطلق حرب الكل ضد الكل، وكلما تغلب أمير على غيره نتج النظام عن تلك الفوضى. ومن هذا النظام نشأت الدولة. حسب جورج بالانديه فمن بين 23 إمبراطورا رومانيا ثلاثة فقط ماتوا ميتة طبيعية، والباقون قتلوا. ص 30 من بين أربعة خلفاء راشدين ثلاثة ماتوا مقتولين.. تعطي هذه الأرقام فكرة مسبقة عن تعقيدات انتقال السلطة.
“لا بد من موت سبعة ملوك” فيلم تاريخي تخدم فيه التكنولوجيا والمؤثرات السمعية والبصرية سرد الماضي. كالعادة فلقطات الأفلام التي تحكي عن زمن ما قبل اكتشاف الكهرباء جذابة. الكاميرا فوق الفرسان يهجمون، هذا منظر شاهدته النسور فقط قبل اختراع الكاميرا الطائرة…حين تشرق الشمس يكون ظل الأحصنة والجنود طويلا… لرصد ذلك المشهد استخدم المخرج كاميرا مُحلقة لكي يجعل موكب الحرب مضاعفا، يتقدم الجيش وظله العملاق لمهاجمة المدينة.
فيلم عن حمام الدم المؤسس لدولة. تكشف السلسلة ضرورة العنف لنشوء الدول. يجري التعامل مع المعارضين بالسيف؛ وهذا مثير بالنسبة لمشاهد يعيش حاليا في عالم مسالم، وبالتالي يصعب عليه فهم أن العنف وسيلة أساسية لبناء الدول. يعلمنا التاريخ الدموي أنه ساذج من يعتقد أنه يمكن تنظيم البشر بدون إكراه.
[ad_2]