[ad_1]
مشروع حضاري بلغ جزأه السادس والثلاثين، عرّفت به الدورة الثامنة والعشرون من المعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط، يُعِدُّ للغة العربية معجمها التاريخي، مجددا جمعها “مرة ثانية”.
الأكاديمي عبد الفتاح لحجمري قال إن مشروع اتحاد مجامع اللغة العربية ومجمع اللغة العربية بالشارقة، “مشروع أمة وحضارة، بعدما تأخر موعد اللغة العربية مع معجمها التاريخي”.
مأمون وجيه، المدير العلمي للمشروع، قال إن هذا المعجم “كان حلما من أحلام المثقفين العرب وعشاق العربية”، و”ظل العلماء يترقبون برقه دهورا، وكلما لاح برق اكتشفوا أنه خُلّب زائف، وكلما سنحت سحابة، وجدوها سحابة صيف”، إلى أن “ظهر برق من الشارقة”، على يد الشيخ سلطان القاسمي، الذي “تعهد برعاية هذا المعجم من الألف إلى الياء”.
وزاد: “صدر من المعجم حتى الآن 36 جزءا (…) وفي كل عام يأتي المزيد”، ثم تابع: “المعلم الأول للمعجم إعادة جمع اللغة العربية مرة ثانية، وحُددت تخوم الجمع بوضوح: يبدأ قديما من عصر النقوش على الأحجار وسعف النخيل، إلى العصر الحديث حتى سنة 2020، بعدما جمعت اللغة العربية أيام الخليل والكسائي والأصمعي، وتوقف ذلك في القرن الرابع من حيث الزيادة”.
“المعلم الثاني من معالم المعجم”، منهجيته التاريخية التي “ترصد ألفاظ اللغة، عبر العصور، وقد اقتضى ذلك أن نضع تقسيما للعصور، هي خمسة أعصر: ما قبل الإسلام، العصر الإسلامي، العصر العباسي، عصر الدول والإمارات، فالعصر الحديث”.
هذا الرصد يقوم على “رصد تاريخ ميلاد الألفاظ، ولكلٌّ لفظ تاريخ ميلاده الخاص: يولد ويحيى، منها ما يدخل مرحلة كمون، بعضها ينقرض، وبعضها تتطور دلالته وتتعدد”.
إذن، يعمل المعجم على رصد ميلاد الألفاظ، وكيف تطورت الأسر اللغوية، ومتى، وتطور دلالات الكلمة الواحدة على مر العصور”، وقدم مثالا بـ”عين”: “تعني الباصرة، وعين الماء الجاري، والجاسوس، وأطلقت على حرف من حروف الأبجدية… وبدأت على عين الماء، ثم أطلقت على الباصرة التي يتحدر منها الدمع، ثم الجاسوس الذي يقوم على استخدام هذه الآلة، فحرف الكتابة الذي يأخذ في تدويره صورة العين”.
وكذلك القهوة التي “في الشعر بدأت تعني الخمر، وبعد الإسلام أطلقت على اللبن الحامض لما فيه من المزازة، وبعد ذلك على نبات البن، وبعد فترات على المحل الذي تباع فيه المشروبات”.
هكذا يتتبع “المعجم التاريخي اللغة العربية”، التاريخ الذي “يثبت لنا متى ولد المعنى ومتى تطور”، بـ”العودة إلى النقوش العربية القديمة، لرصد ذكر الألفاظ في نقوش ما قبل الميلاد”، و”تحرير العلاقة بين العربية وبين الساميات، وهل هي أخوات لها، أو بنات لها”.
ويرصد المعجم “لغة العرب”، “لا لغة الأدباء وكبار العلماء وأصحاب البلاغة ومن يُحتج بقولهم؛ مما استدعى الخروج به على حدود ما سمي بعصور الاحتجاج اللغوي، التي جمدت قرونا بعدها لم يُستعَن بإبداع أهلها”، ومصادره “موزعة على الرقعة العربية، من أقصى المشارق إلى أقصى المغارب، وهو ممثل للغة العربية في كل مكان”؛ حيث يجد فيه القارئ “كل لفظ صحيح، نطق به القدماء، أو نطق به المُحدثون”، مستشهَدا عليه “بكل نص صحيح، بصرف النظر عن قائله من القدماء والمحدثين، من عصر ما قبل الإسلام إلى أيامنا هذه”.
الطاهر بن الأزهر خذيري، أستاذ باحث ولغوي، قال إن هذا المشروع التاريخي للغة العربية، “كان فكرة واضحة المعالم منذ عشرات السنين، غير أنه ظل كامنا لا يقوى أحد على تحريكه لما فيه من المشقة البالغة، وكان العبء المادي الضخم أثقل التحديات، حتى انبعث له الشيخ سلطان القاسمي، فأصدر أمره ببعث المشروع من مرقده، وأضحى الحلم حقيقة”.
وفي المعجم التاريخي للغة العربية “حضور مهم للمملكة المغربية، مذكور ومشكور، منذ انطلاقته قبل أربع سنوات (…) وعبد الفتاح الحجمري له الفضل، فهو المقرر العام للجان التحرير بالمملكة، وتحمل مسؤولية الإجابة عن كل تساؤلاتنا المنهجية والعلمية والفنية”.
وذكر خذيري أن العمل في المعجم التاريخي “يبدأ في خطوته الأولى بالاستقراء الدقيق الفاحص لمعاجم اللغة العربية، من أول ما بدأت إلى “تاج العروس”؛ فالمعاجم، تذكر معاني قد تتواتر، أو قد ينفرد بها قاموس، وهي معان منصوصة لا يمكن أن نتجاهلها، لكننا نتميز أو نريد أن نتميز بأمر عظيم جدا هو الاستشهاد لكل معنى ذكر في المعاجم بأقدم ما ذكر عليه، عبر العصور، على حسب الوسع والطاقة (…) للوصول إلى الشاهد الحي على المعنى، وإلا كان عملنا تكرارا لعمل المعاجم القديمة”.
وبعد المعاجم، وكتب الأفعال التي في حكمها، التي تُستقرَأ استقراء دقيقا ويستشهد على ما فيها من المعاني، يكون لازما للمحرر “التوسع والنظر في سائر كتب التراث تفسيرا وحديثا وفقها وفلسفة وعلم كلام، للوقوف على معان لم تذكرها المعاجم القديمة، ويجدها في لغة العرب المستعملة”، مع الانتباه إلى تحديات جبارة مثل أخطاء المطبوعات، والتصحيف، لأن “أئمة كبارا روَوا ورويت عنهم اللغة، ووقع منهم تصحيف، أي كلمة خطأ جُعِل لها معنى، وإذا لم يميز خبير ومراجع هذه التصحيفات والأخطاء سيضيفون إلى اللغة ما ليس منها، بل ويستشهدون على ذلك”.
الأكاديمي أحمد شحلان، أستاذ اللغة العبرية واللغات الشرقية، تحدث عن مسؤوليته في المعجم عن قسم اللغة العبرية، وقال “اللغة العربية هي الأقرب إلى الأم، إذا لم تكن الأم، وهي المصدر الأول للغات السامية، التي أفضل أن تسمى عُربانية”.
وذكر شحلان أن المعجم يقدم نظير اللفظ العربي في العبرية والآرامية والسريانية والحبشية، ثم قال: “هذا المعجم تشتغل فيه أمة من الناس، في كل الدول العربية والإسلامية، مئات من الناس، وحدات وحدات، كلٌّ منها متخصصة في لغة مختلفة (…) لا نشتغل على العبرية فقط، التي نأتي لها بالمقابل من ثلاثة مصادر هي التوراة والتلمود واللغة اليهودية الوسطية (…) وهناك مشروع للغات أخرى”.
[ad_2]