[ad_1]
نظم المجلس العلمي لإقليم شيشاوة، السبت، ندوته العلمية السنوية التي تناولت بالعرض والمناقشة موضوع “الفتوى بين ضوابط التأصيل ومزالق التنزيل”؛ مع الاحتفاء بعمر لقديري، أحد الأعلام الفقهية بالمنطقة، الذي خصصت له منحة لأداء مناسك العمرة وأخرى من عمالة الإقليم.
وخلال الجلسة الافتتاحية التي حضرها محمد الروكي، عضو المجلس العلمي الأعلى، ورؤساء عدة مجالس علمية على صعيد المملكة المغربية، قال عبد الحق الأزهري، رئيس المجلس العلمي لإقليم شيشاوة، إن “موضوع الفتوى يعتبر أسمى الخطط الشرعية وأشرفها، ومن أشكل المواضيع التي يواجه العقل الإسلامي، لكونها تحتاج إلى غزارة العلم والاجتهاد والخوف من الله؛ وهي الشروط التي تحمي هذه المهمة العظيمة من المتنطعين الذين يفتون بدون معرفة شرعية ومنهجية”.
ولتوضيح عظمة هذه المهمة، يضيف الأزهري، “أفتانا الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: يستفتونك قل الله يفتيكم في الْكَلَالَةِ، فأوجب علينا اتباع أوامره في الفتوى والاقتداء برسوله فيها تأصيلا وتنزيلا، فنأخذ بما أخذ به فيها، ونجتنب ما أمرنا باجتنابه؛ فمنزلة الإفتاء في الشريعة منيفة، ولصاحبها مرتبة شريفة”.
وتابع المتحدث ذاته: “ولنعلم أن علماء الصحابة كانوا يخشون التسرع في الفتوى، وأن لكل زمان ومكان نوازله وفتاواه، تنوعت الأحكام فيها بتنوع الحوادث والوقائع، وتعدد المجتهدين واختلافهم. ولنعلم أن الحرج شديد في هذا العصر في ضبط الفتوى، التي مالت إلى الشدة في غير موطنها، أو إلى السهولة في غير محلها، فنتج عن ذلك إما التطرف والتنطع وإما الانحلال والتفسخ والخروج عن أحكام الدين، وكلاهما مذموم صاحبه”.
“ولأن الأحداث في زماننا تتسارع، والتغيير طال كل مناحي الحياة، فالفتوى أضحت بحاجة إلى البحث العلمي والتكوين المستمر في العلوم الشرعية للوقوف على أسسها، والإلمام بها، لأن أوضاع الزمن الحاضر تقتضي فتاوى معاصرة. وقوة الفتوى في مدى استجابتها لمتطلبات عصرها؛ فنوازل هذا العصر ليست هي نوازل عصر الأوائل، وقد يكون بينها كثير من التفاوت والاختلاف، لا يدركه إلا البصير الذي تضلع في علوم الشريعة حتى صار من الممارسين فيها، فسهل عليه إلحاق الفروع بالأصول، والموازنة بين المنقول والمعمول”، يختم الأزهري مداخلته.
بدوره قال محمد الروكي، عضو المجلس العلمي الأعلى: “الفتوى إخبار عن حكم الله عز وجل، وهي ما يهم استمرار علاقة الناس بأحكام الشريعة، وهي غير ملزمة، ولكن لها جانب آخر معنوي يفيد الإلزام، فقضايا الناس ومعرفة حكم الله فيها نوعان: الأول لا يقدم المسلم على شيء حتى يعلم حكم الله فيه، والثاني: قضايا النزاعات والخصومات، وهو له سلطة الإلزام، وهو من اختصاص القضاء”.
وأردف الروكي: “ليست للمفتي سلطة التنفيذ لأنها تعود إلى القضاء، فأساس الإخبار في الفتوى يكون نقلا حول المستجد، وهي سلاح ذو حدين، ولكي تقوم على أصولها لما لها من أهمية في بناء مجتمع راشد لا يحب أن يلجها إلا من كان يملك علما في الفقه وعلوم الشريعة، ومن يعيشه واقعه”، واستدل بالحديث النبوي: «يوشِك الرجل متكئًا على أريكته يُحدث بحديثٍ من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل، ما وجَدْنا فيه من حلالٍ استحللناه، وما وجدنا فيه من حرامٍ حرَّمناه، ألا وإن ما حرَّم رسولُ الله ﷺ مثلُ ما حرَّم الله».
“المفتي عليه الارتباط بواقع مجتمعه، لأن الفتوى الرائدة هي التي تحل مشاكل الناس، فالسؤال ابن واقعه، والجواب له قواعد لترشيد الفتوى حتى تأخذ طريقها نحو ما هو أقوم، ومن شروطها لا إفتاء لغير المؤهل، ما يعني الإلمام بالعلوم الشرعية، وفقه التأصيل، حتى يحسن تصور النازلة، وإدراك خصوصيتها، لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره. وفي زماننا يجب على المفتي أن يستمع لذوي الاختصاص، كالعلوم الإنسانية وغيرها، لإدراك النازلة”، يورد عضو المجلس العلمي الأعلى.
وأكد المتحدث نفسه على “حاجة الفتوى إلى إطار مذهبي فقهي”، وزاد: “اختار المغرب منذ زمان المذهب المالكي لضرورة انطلاق الفقيه المفتي منه. أما الضابط الثاني فيجب أن تكون الفتوى معلمة، لأن المفتي يفتي ويعظ الناس. وثالث الشروط الحسبة على العلماء، لأنها أجلب لمصالح الإفتاء؛ وهنا يأتي دور المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى ضبط الفتوى للحماية ممن يدخلون بابها من غير علم قصد التشويش”.
ومن ضوابط الفتوى، يضيف الروكي، “توحيد عمل الإفتاء ليكون أنفع للمستفتين، وحكم الحاكم لرفع الخلاف، فإذا رفع الخلاف إلى الإمام فيجب الالتزام بما يقرر تجاوزا للفتنة؛ والإفتاء في ما ظهر لا في ما استتر، والتعدي في الإفتاء ما يوجب ضمان حرمتها وحفظ إيقاعها، وهذا سيمنع ولوج الجهلاء والمتنطعين بابها”.
وتميزت هذه الندوة بتناول موضوع الفتوى من زوايا عدة منها: الفتوى حقيقتها وأهميتها، وأصولها، وشروطها الأخلاقية، وتجنيس الفتاوى وإشكالية المرجعية، وقراءة في معالم منهاج الإمام مالك، وأصولها وشروطها الأخلاقية، والتكامل المعرفي وضرورته في ضبط الفتوى، ومزالق الإفتاء المعاصر، والتأطير الدستوري للفتوى في ضوء متطلبات الرقمنة، ونماذج من النوازل المعاصرة بين التحصيل والتأصيل، وجهود فقهاء الدولة العلوية في ضبط الفتاوى الشرعية.
[ad_2]