انتظار الانتظار ضار

مقالات وأراء

وتمضي الأيام محملة بمواقف بعض السياسيين الحزبيين الذين شغلوا الناس خلال مرحلة معينة لا تنأى عن الحاضر إلا بعقدين اثنين من الزمن ، ولا زالت مستمرة خاصة في الأقاليم الشمالية وتحديدا مدينة “تطوان” العروس المدللة والشقيقة الصغرى لغرناطة، العربية المعمار والحضارة، الاسبانية الانتماء والمِلكية . وكل ما أنتجه المغرب منهم كنظام، صَبَّ في مصالح لا علاقة لها البتة بخدمة الشعب المغربي الأصيل الصبور العظيم، الشيء الذي تكرر في جهات أخرى كمدينة “فاس” العاصمة العلمية كانت، قبل الفترة المذكورة لتتحول الآن لعاصمة أي شيء ما عدا العلم ، وأيضاَ “وجدة” التي تكاد تفقد (للأسف الشديد) تلك الميزة الجاعلة الأخلاق الحميدة بمثابة الشرف والكرامة والعرض، بخلاف الآونة، حيث احتل مجملها المسخ بحماية عدم الحياء ، والنتيجة أن ترقى “قلة” لمرتبة إنجاح المخطط الرهيب المساهم في إلحاق المجتمعات الأهلية بهذا البلد لمعانقة التقاليع الأجنبية الواضعة فوق رفوف المتاحف ، كل هوية أصلية أصيلة مُعرفة بما يشير إليها بإنسانية ما قبل “الحداثة” ، وكأن الأمر في نظر تلك “القلة” المعنية، الانتقال من ظلام الجذور الطيبة ، إلى نور “باريس” و “لاس فيغاس” و”ريو ذي جنييرو” حيث اللذة والمادة محور الحياة وقمة التمدن بلا حشمة أو وقار، بغير الحديث عن “مراكش” العاصمة الأمازيغية واللوحة الطبيعية المعبقة بشذى التاريخ المجيد وأنفة الرجال الأشاوس والنساء الهاربات من دق الدفوف إلى الالتحام للجهاد حفاظا على شِيَمِ المروءة والأخذ بالمعروف، في مقدمة الصفوف .المتحولة الآن لواجهة مُجون ، وعبث مُن بالعملة الصعبة يدفعون ، ولكل خارجة عن التقوى يشترون ، وفوق كل شبر عريق لعالمهم الخاص يشيدون
…. ولمن يقول أن لكل مرحلة رجال فإننا نسأل لما تُبقي هؤلاء داخل دائرة العناية القصوى، ليتبوؤا حيث ازدراد الحلوى، مهما كان الخروج من مآسي الجفاف الفكري (وهم قواعد أسبابه) يمثل لدينا أعز المُنى ، صراحة الشعب المغربي ذكي ، بقدر ما يُظهر عن حكمة أن الزمن كفيل بإنصاف المغرب / الوطن ، بقدر ما تتحقق تلك العزلة المُعنوِنة لبداية النهاية بلا عناء أو إغفال عن جادة الصواب، تطال مَن تكررت صورهم في فلم ملَّ الجميع مشاهدته ، وفي تحدي سافر يستمر عرضه لغاية وصول أمر آت بمعجزة مادامت اكف الضراعة إلى الله الحي القيوم ذي الجلال والإكرام مرفوعة في خشوع المؤمنين الصادقي الإيمان ، أكانوا من مراكش أو فاس أو وجدة أو تطوان، أو على العموم في هذه الدولة من أي مكان ، المتحملين مسؤولية حفظ طهارة المغرب في الجوهر مهما كان السطح قد تغير بما هو مُزور لحقيقة المظهر..
… الإفصاح عن الأسماء تقليل لقيمة الملايين البشرية العارفين لأصحابها أشد ما تكون المعرفة ،حتى الأجانب يتحدثون عن الظاهرة ليس باستغراب ولكن بانتباه لما يمكن أن تصفر عليها من وضعيات يُستحسن معالجتها قبل فوات الأوان ، تحاليل ومناقشات مستفيضة أدت بهؤلاء إلى الاعتراف أن الاستقرار في المغرب مرده الشعب المغربي البطل المُفَوِّت دوما فرصة إقحامه معركة يراها أصغر بكثير من هيبته وهو العالم أن الفوز بأحق الحقوق يتحقق باستخدام العقل المالك مقومات التفكير في السلام وما يتفرع عنه من سلم اجتماعي وتأخير تصريف القوة لمحاربة حتى الأعداء فيتم اندحارهم بأقل ضرر.
وصل المغرب، والقول الحق واجب يحث على الإدلاء به الضمير الحي للرجل الحر والمرأة الحرة المقدران معا دقة المرحلة التي يحياها هذا الوطن وجلها مشحون بسلبيات تؤدي إلى التأخر عن الركب العالمي الناشد التطور والتنمية والسلام، بعدما فشلت كل الترقيعات ومنها التنمية البشرية ، وكل الصناديق القائمة على التسوُّل ، لتلقين هذا الأخير للنكساء الضعفاء ليستأنسوا المذلة ، و ما خُلقوا إلا ليقتاتوا من عرق جبينهم وبالحلال، لو كانت الأمور تسير طبيعية والعدالة آخذة مجراها والحق يُعطى لأصحابه والقوانين مهما كان الاختصاص مطبقة على الجميع. تلك التنمية البشرية المقتبسة ممن أرادوا إلحاق مجتمعات العالم الثالث بعادات مجتمعات لا هي من طينها ولا من مستوى تمتعها بالحرية والديمقراطية والمساواة في الحقوق لتبقى (وعلى الدوام) مرتبكة الخاطر، لا هي قادرة على العودة لعالمها لتنظيفه من شوائب تصرفات المهيمنين عليه، ولا هي قادرة على تحمل مخاطر ما تراه غارقة في ويلاته، حيث الأخلاق دخلت مصحة الأمراض اللاعلاج لها، انتظارا للموت البطيء. ولقد اتخذ المحتضن لمثل التنمية برامج قادرة بالتدرج على تغيير عقلية المجتمع المغربي بعقلية ما ابتدعه المفكرون الأمريكيون وحلفاؤهم تحت عناوين شتى تتوزع وفق طبيعة البلد المستفيدة ، وأقرب تلك العناوين إلى دول العالم الثالث ومنها المغرب، “التبعية” بأسلوب مادي في الدرجة الأولى، الضامن لولاء أعمى مستقبلا ، تطبيقا للآتي من مراحل هذه التنمية ، التي تظهر بوادرها للعيان منذ فترة فُتح المجال لتأسيس ألآف الجمعيات في كل الجهات الإثنى عشر، وفق تقسيم إداري لم يكن مراعيا إلا المصالح السياسية الرسمية الضيقة لتشتيت وتمييع أي مجهود سياسي مستقل يساهم في تقوية الوجود الحزبي الصحيح وإبعاده عن سيطرة السلطة ، و تحقيق الحرية في خلق جمعيات معتمدة على نفسها لخدمة صالح عام الشعب المغربي وفق قانون ينزهها عن مد اليد لالتقاط فتات وزير أو والي أو عامل أو باشا ، إن شاركت في مؤتمر دولي أظهرت الحقيقة دون خوف من أحد مادامت منبثقة من هذا الشعب العبقري رافعة لواء المغرب ذي العزة والسؤدد

 

مصطفى منيغ