[ad_1]
يجد المصابون بالاضطرابات العصبية النفسية مكانا واضحا في المهن الإبداعية. وتشير الكثير من الأبحاث لعلماء الأعصاب، كتلك التي أجراها جيمس فالون، عالم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا، إلى أن الذين يعانون من الاضطراب ثنائي القطب يميلون إلى أن يصبحوا مبدعين عندما يخرجون من الاكتئاب العميق، ما يعزز فرضية أن الأمراض العصبية والنفسية تدفع الناس إلى الإبداع والابتكار.
ويعنى بالاضطرابات العصبية الأمراض التي تصيب الجهاز العصبي المركزي المكون من الدماغ والنخاع الشوكي، كما تصيب الجهاز العصبي المحيطي، الذي يعمل على ربط الأطراف والأعضاء بالجهاز العصبي. أما الاضطرابات العقلية فتشير إلى مجموعة من الأمراض النفسية التي تؤثر على المزاج والتفكير والسلوك.
وخلال جولة الجريدة الإلكترونية انزي بريس بمؤتمر إفريقي لطب الدماغ، نظم بمدينة مراكش الأسبوع الماضي، وقفت على عرض إنتاجات إبداعية لمرضى، من قبيل لوحات فنية، ودواوين شعرية ومجسمات، وغيرها مما يعكس انشغال هذه الفئة من مرضى الاضطرابات العصبية النفسية بالإبداع الفني.
محمد أبو مدرك، واحد من مرضى الجهاز العصبي المركزي، قال: “مرض باركنسون حافز للإبداع، ونقل المعاناة التي يعيشها المريض. والتعبير الفني شكل من أشكال التنفيس عن الذات، فالشخص المصاب تشغله أفكار كثيرة، وهو دائما في حالة هوس شديد، ما يزيد من احتمال خروجه بفكرة واحدة إبداعية على الأقل، لذلك فالمصابون بالاضطراب العصبية مكانهم مضمون في المهن الإبداعية”.
وفي لقاء جمعه بانزي بريس، أضاف الشاعر ذاته: “كدليل على ذلك تعاملت مع المرض بشكل متوازن من خلال الإبداع، فكانت لي قصائد في الموضوع، أشخص فيها المرض وأعراضه، ومعاناتي معه، كقصيدة ‘الضيف الثقيل’، في الديوان الأول من شعري”.
ولينقل معاناته مع مرض باركنسون، يقول الشاعر، في قصيدته:
ضيف ثقيل زارني مستوطنا جسم السليم فعله وتهجما
قصد الدماغ مدمرا أوصاله متمركزا لا يرعوى متهجما
فإذا بجسمي كله متعبد كل الحراك بإذنه متحكما
فهو الرعاش سار بجسمي خلسة فتداعت الأطراف منه تبرما
وخلال اللقاء قال أبو مدرك، الذي كان يدرس بالتعليم الثانوي، إن “الصورة الشعرية لقصائد المبدعين المصابين بهذه الأمراض وثيقة الصلة بقائلها، تنعكس نفسيته على ظلالها وتتطبع بطابعها؛ وهي من ناحية ثانية شديدة التأثير على نفسيتهم، لكونها تنقل إلى المتلقي ما يعتمل في دواخلهم، وتتحدث عن توازنهم النفسي”.
“أستيقظ في هزيع الليل لأكتب عن الرعاش الذي ينتابني، ويؤرق راحتي، فيكون الشعر الملاذ للخروج من هذه المعاناة”، يورد الشاعر ذاته، الذي أورد: “في الكتابة تتحقق راحتي، لأنني أعبر عن شيء يضج في صدري، فلا أجد مندوحة من التعبير عنه، لأن ذلك بمثابة علاج نفسي، وتنفيس عن حالة متأججة ومتجددة للذات؛ فهذا التجدد يتم التعبير عنه مكرها من خلال نمط موسيقي تقليدي أو حديث يحمل الآلام والأحلام”.
ولم يتوقف إبداع هذا المريض، على كتابة الشعر فقط، بل له إنتاج آخر، يتمثل في إصدار سيرته الذاتية، التي يحكي فيها مسار حياته، منذ الطفولة، إلى لحظة الإصابة بمرض باركنسون، مسلطا الضوء على تقاليد أهل مراكش، كالنزاهة والدقة المراكشية، والختان.
عبد الرحيم قيرو، الكاتب العام لجمعية مغرب باركنسون، قال من جهته: “أتابع عن كثب إبداعات مرضى الدماغ المتنوعة، كمرضى الزهايمر، والضمور العضلي، والصرع، وغيرها من الأمراض، في مجالات فنية متعددة، من قبيل الفن التشكيلي، والنحت وغيرها، فعندما يتحسن مزاج المريض ينتقل النشاط في الدماغ من منطقة لأخرى، إذ ينقطع في الجزء السفلي من منطقته ويزيد في جزء أعلى منها. والمثير للدهشة أن الأمر نفسه يحدث للأشخاص المبدعين”.
وتابع قيرو في لقاء جمعه مع انزي بريس موضحا: “الإبداع يصبح ملازما لحياة المريض، الذي يمكن أن يكون مصيره ‘الانفجار’ لولا تعاطيه مع الأجناس الإبداعية، التي تشكل متنفسا لما يعانيه المرضى”، وعن تجربته قال: “أنا شخصيا أحارب الأرق بإبداعات استثمر فيها الذكاء الاصطناعي”.
أما محمود كرازة، معالج لمرضى الجهاز العصبي بالفن، فأكد أن “الفنون هي علاج أساسي لكل مرض، لأن مجال الفن يحقق راحة الإنسان عامة، فما بالك بالمرضى”، وزاد في تصريحه لانزي بريس مقدما نموذجا من حالة مرض الصرع: “تعاني فنانة من كهربائية الدماغ، ولقيت لوحاتها نجاحا كبيرا في القارة الأوروبية، ومن خلال ما تنتجه من لوحات تشكيلية خضعت للعلاج”.
وعن قيمة العلاج النفسي الذي يقدمه الفن للمرضى، أوضح المتحدث نفسه أن “هذه الفنانة تتابع علاجا طبيا، لكن تعاطيها للفن التشكيلي كان له الدور الكبير في مواجهتها معاناتها مع مرض الصرع”، خاتما: “هذا الأمر يساعد في فهم أفضل للإبداع والمرض العقلي والنفسي، فهذه الفنانة التشكيلية حقق 95% من علاجها من خلال لوحاتها الإبداعية”.
[ad_2]