[ad_1]
رغم الوضع الاقتصادي الصعب الذي تواجهه غالبية الأسر المغربية بسبب تداعيات التضخم وارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى تداعيات الجفاف، يتسابق الجميع بحثا عن تأمين أضحية العيد التي ستزيد لا محالة من مفاقمة الوضع الاقتصادي المتراجع للأسر.
ويبدو أن الأعراف الاجتماعية والتقاليد التي باتت تطغى على المناسبة الدينية، جعلت الكثير من المغاربة يرضخون لها رغم أن وضعهم المادي لا يسعفهم في تحتمل تكاليف الأضحية، وذلك في محاولة لإرضاء الأسرة والمحيط، بعيدا عن المقاصد الدينية التي شرعت من أجلها.
وأمام هذا الوضع “المختل”، يضطر كثير من أرباب الأسر إلى اللجوء للاقتراض أو بيع أثاث بيوتهم من أجل تأمين شراء الأضحية، التي بلغت أسعارها أرقاما قياسية هذه السنة، الأمر الذي يثير التساؤلات إن كانت العادة باتت تتحكم في المغاربة قبل العبادة في هذه الشعيرة.
العادة قبل العبادة
حسن الموس، خطيب الجمعة بمسجد الرشاد في مدينة تمارة، يرى أن المغاربة يعظمون شعيرة عيد الأضحى “أكثر من بقية شعوب دول العالم الإسلامي، وهذا جيد وينبغي المحافظة عليه”.
وسجل الموس، في تصريح لجريدة انزي بريس الإلكترونية، أنه بات يلاحظ في السنوات الأخيرة أن هذه الشعيرة “تغلب عليها العادة قبل العبادة، وأصبح لا يمكن للإنسان المغربي أن يفرط في شراء الأضحية مهما كلفه الأمر”.
وأفاد المتحدث ذاته بأن هذا “الحرص المبالغ فيه يسجل رغم أننا نتحدث عن سنّة، ليست واجبا”، مشددا على أنه “لا ينبغي البحث عن الاقتراض وبيع الأثاث لغير المستطيع، لأن الأضحية تجب على القادر على شرائها”.
ودعا خطيب الجمعة ذاته العلماء وقادة الرأي إلى العمل على إعطاء القدوة من أنفسهم للمجتمع، وحثه على عدم التسابق وراء شراء الأضاحي والتنافس فيها، مذكرا بقصة الصحابي الجليل عبد الله بن عمر، الذي “أمر غلامه بأن يذهب ويشتري له كمية من اللحم، وأمره أن يقول للناس إن هذه أضحية بن عمر”.
وأبرز الموس أن التباهي والافتخار أضحيا من المظاهر التي تسيء لعيد الأضحى المبارك، مبينا أن “من الناس من يستطيع أن يشتري أضحية ثمنها 2000 درهم وتجزأ لمن له أبناء، لكنه يلجأ لشراء أضحية أغلى بمواصفات معينة، ويكون الآباء في اختيارهم تحت سيطرة الأبناء”، مطالبا بالحزم من أجل القطع مع هذه المظاهر.
وأقر الموس بمسؤولية العلماء والخطباء والمرشدين الدينيين في مواجهة هذه الأمور، لافتا إلى أن استضافة العلماء في وسائل الإعلام العمومية للتوجيه والتأطير والتأكيد على أن الأضحية “سنة وليست بواجب، من شأنه الإسهام في الحفاظ على اقتصاد الوطن، لأننا نتابع كيف أن الدولة تستورد الأكباش لتوفر الأضاحي لجميع الناس رغم أن الأمر ليس فرضا واجبا”، وفق تعبيره.
بين الأفراد والأسرة
من زاوية نظر اجتماعية، اعتبر عبد الغني زياني، أستاذ علم الاجتماع بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن عيد الأضحى يمثل أحد المداخل والتفسيرات التحليلية لفهم التحولات المجتمعية التي يعيشها المغاربة، مؤكدا أن هذه المناسبة تتخذ عدة أبعاد تساعد على فهم الواقع.
وقال زياني، في حديث مع جريدة انزي بريس الإلكترونية، إن “البعد الديني يمثل نقطة ارتكاز لكل الأبعاد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية”، مبرزا أن علاقة المغاربة بعيد الأضحى “علاقة دينية مبنية على الشرع الإسلامي، باعتباره سنة مؤكدة يتشبث بها المغاربة بغية التقرب إلى الله والامتثال لمبادئ الشرع”.
وسجل زياني أن المناسبة الدينية لها بعد ثقافي يتميز بمجموعة من التجليات، من بينها اعتباره ضرورة لـ”إعادة إحياء القاسم المشترك الذي يجمع الأسرة، من خلال إعداد أكلات جماعية وذبح الأضاحي بحضور الأطفال وفق تقاليد خاصة”.
وتابع المتحدث ذاته موضحا أن “هناك تجليا ثقافيا يتجسد في إعادة إحياء المشترك بين الأفراد والأسرة، وهروبا مما هو جماعي مغربي ككل إلى ما هو فردي أسري، يتغير حسب المناطق التي تتميز كل واحدة منها بطقوس وأعراف خاصة”.
مقياس طبقي
اعتبر زياني أن عيد الأضحى له تجليات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي توضح أن الأمور المادية هي التي تحدد المكانة الاجتماعية، وهي عبارة عن “طريق وآلية لتصريف البعد الطبقي والمكانة الاقتصادية في المجتمع”، مردفا بأن تباهي الأسر بالأضاحي يشكل “تحولا قيميا على مستوى تمثل الأضحية التي تراجع العامل الديني في تحديده لحساب العامل الاقتصادي والاجتماعي”.
وأفاد أستاذ علم الاجتماع بأن الأضحية أصبحت “مقياسا طبقيا للأسر، والعيد موسما يترجاه المغاربة من أجل إعادة ترتيبهم طبقيا”، لافتا إلى بروز بعض الأسر التي “لا تضحي وتتخذ بعض الفنادق ملاجئ لقضاء هذه الفترة، وترى أنها من النخبة الاقتصادية”.
وزاد زياني مفسرا هذه الظاهرة الجديدة بكون الفئة التي تمثلها تبعث “رسائل خفية بأنها دائما تأكل اللحم وليست في حاجة إلى الأضحية، يقرأها الفقراء والمجتمع بتوجهات مختلفة”.
كما أوضح أن هذا المعطى يشكل نوعا من “المصالحة مع الواقع الأليم الذي يعيشه الفقراء المغاربة، الذين لا يأكلون اللحم طيلة العام، ويتصالح مع الواقع الأليم خلال العيد”.
وأشار زياني إلى أن عيد الأضحى أصبح يقدم “وجها آخر لكشف مجموعة من المعطيات حول المجتمع، ومقياسا لقراءة الواقع الطبقي بالمغرب”، متسائلا في ختام تصريحه عن “أي عيد لأي مغاربة، وهو تجلٍّ ديني ثقافي يتيه فيه البحث”، وفق تعبيره.
[ad_2]