ثلاثة عقود على فيلم “البحث عن زوج امرأتي” .. أزمة إبداع في زمن النهضة

فنون و إعلام

[ad_1]

بحلول عام 2023، تكمل السينما المغربية ثلاثة عقود على نهضتها التي آمنا بها واحتضناها بكل تفاؤل. والمعلوم أن هذه النهضة انطلقت بظهور فيلم “البحث عن زوج امرأتي” سنة 1993.

وهي مناسبة نلقي فيها نظرة تأملية لاستشراف مسارها المستقبلي من خلال الإجابة على الأسئلة التالية: هل تسير السينما المغربية الآن في الاتجاه الصحيح؟ وهل تستطيع أن تحافظ على وتيرة الإنتاج القائمة حاليا؟ وهذه الأفلام وما تحمله من تباينات واختلافات فكرية وجمالية، إلى درجة الاصطدام أحيانا مع المشاهد، وأحيانا إلى درجة منع بعضها من العرض، هل ستحافظ على هذا الاستقطاب الجماهيري؟

ألا يمكن مستقبلا أن يتراجع عنها الجمهور وتتعرض للنكوص والكساد؟ هل سنبقى مطمئنين إلى هذه الطفرة؟ هل هناك ما يجعلنا مطمئنين؟ وإذا كان فما هو؟

إلى أي حد تتوفر في الإنتاجات الحالية المقومات الإبداعية التي تلبي فعليا رغبة الجمهور المحلي ومنه إلى العالمي؟ إذا كانت فما هي؟ هل تلبي الأفلام المغربية رغبة الجمهور العريض (المتنوع وليس النوعي)؟ وإلى أي حد تتوافق الخيارات الجمالية في الفيلم المغربي مع الذوق المحلي؟

يمكن تسجيل الانطلاق الرسمي للإنتاج السينمائي المغربي بفيلم “الحياة كفاح” سنة 1968. فبهذا الفيلم، بدأت تتشكل هوية السينما المغربية. ومع توارد الأفلام، بدأ البحث عن محرك ديناميكية الإنتاج، الذي كان آنذاك بطيئا، وهو الجمهور. كان الإنتاج آنذاك شحيحا لا يتجاوز معدله السنوي فيلمين ونصف.

كانت النقاشات في سبعينات وثمانينات القرن الماضي تنصب على كيفية الخروج من ذلك الوضع المتأزم. وكان السؤال الحارق يطرح كيفية الرفع من الكم الإنتاجي السينمائي. اجتهدت الدولة وبادرت بإنشاء صندوق الدعم سنة 1980، وقامت بتعديله وتقنينه سنة 1987. لكن تبين فيما بعد أن هذه المبادرة، لم تستطع إخراج السينما المغربية من وضعها المتأزم. وتبين أن سببها ليس في غياب دعم الدولة. وبظهور فيلم “البحث عن زوج امرأتي” سنة 1993، تبين أن العائق وراء أزمة الإنتاج عائق إبداعي جمالي محض.

في ظل ذلك الوضع، كان العديد من السينمائيين المغاربة يبحثون (سواء بحثا حقيقيا أو وهميا) عن الخروج من أزمة التسويق. وكان غياب السوق الداخلية يدفع العديد من المخرجين للبحث عن متنفس للخروج من ذلك الوضع، ولم يجدوا أمامهم سوى البحث خارج الحدود، معتقدين أنهم بذلك سيتخلصون من ذلك الاختناق! وكانت إكراهات الإنتاج المشترك تفرض نفسها كمعطى واقعي حتمي، لكن ذلك لم يزد طين الفيلم المغربي إلا بلة، عندما يتدخل المنتج الشريك ويطوع سردية الفيلم حسب مصالحه. وفي هذه الحالة، قد يجد المخرج نفسه مجبرا على تغيير موقفه من وطنه وثقافته. (التنكر له) وقد يكون ذلك عن طواعية.

وإذا كان التنكر للوطن والثقافة يستوجب الاستنكار، لأنه غير مبرر أخلاقيا، فإنه يجد تبريره في ضبابية الرؤية الإبداعية. فمن يخاطب من موقع القوة ليس كمن يخاطب من موقع الضعف.

المخاطبة من موقع الضعف وغياب السوق المحلي وتدخل الإنتاج المشترك في الرواية والسرد، عوامل خلقت تيارا سينمائيا قويا، فرض نفسه بقوة، يحمل خطابا واقعيا براغماتيا، وهو خطاب الأزمة. وبهذا الخطاب استطاع هذا التيار أن يُخضع العديد من السينمائيين للسير في مسار أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه لا يخدم مصالح السينما المغربية. ورغم قوته ورغم الأزمة، لم ينسق إليه بعض، في الوقت نفسه ظهرت أفلام أبان أصحابها عن صمود موقفهم، وخلقوا تيارا مضادا لذلك التيار.

استمد هذا التيار صموده من الإيمان والوعي بأن الممارسة السينمائية ممارسة ثقافية وطنية، وأن جوهر البعد الثقافي في السينما هو مسألة موقف يؤمن ويلتزم بذاتية المبدع السينمائي وعدم التنازل عنها، رغم صعوبة ظروف الإنتاج وقسوتها. هكذا ظهرت أفلام: “وشمة” لحميد بناني، “الشرقي” لمومن السميحي، “ليام أليام” و”الحال” لأحمد المعنوني، “ابن السبيل” و”باديس” لمحمد عبد الرحمن التازي، “باب السما مفتوح” لفريدة بنليازيد، “جرح في الحائط” و”عرائس من قصب” للجيلالي فرحاتي…الخ.

بعد انطلاق النهضة سنة 1993، تغير الوضع، وأصبحت السينما المغربية تعيش وضعا مختلفا كثيرا عما كانت عليه، أصبح المغرب ينتج ما يعادل العشرين فيلما، بعد أن كان ينتج فقط ما يعادل فيلمين ونصف في السنة.

وإن كان هذا التحول الكبير حصل بمحض الصدفة، إلا أنه لم يأت عبثا أو من فراغ، بل كانت له نقطة انطلاق. ونقطة الانطلاق كانت بفيلم “البحث عن زوج امرأتي” سنة 1993 للمخرج محمد عبد الرحمن التازي وسيناريو فريدة بنليازيد، الذي حقق آنذاك أكبر نسبة مشاهدة في تاريخ السينما المغربية إلى يومنا هذا. كان فيلما مفاجئا للجميع، وأهم شيء جاء به أنه ألغى خطاب الأزمة، وكسر ذلك التصور الانهزامي الذي يفيد بأن ما دامت العديد من البلدان العربية والأفريقية تعاني من الأزمة، فإن أزمة السينما المغربية حتمية، وكأنها شر لا بد منه.

استمر عرض الفيلم في القاعات السينمائية المغربية لأسابيع، وتجاوز عدد مشاهديه 800 ألف، وإذا قارنناه مثلا بالفيلم السابق “باديس” للمخرج نفسه، فإن “باديس لم يصل عدد مشاهديه إلى 400. ورغم أن نجاح فيلم “البحث عن زوج امرأتي” كان مفاجئا، إلا أنه من الطبيعي أن يخرج من رحم ذلك التيار السينمائي الذي صمد في وجه الأزمة، ولم يتنازل عن وطنية موقفه.

بهذه المواصفات، يعتبر فيلم “البحث عن زوج امرأتي” نقطة مفصلية بين مرحلتين من تاريخ السينما المغربية، إذ سجل نهاية مرحلة وبداية أخرى. ومن هذه الناحية، يذكرني بالفيلم الإيطالي “روما مدينة مفتوحة” 1945، للمخرج روبيرتو روسيليني، الذي سجل نهاية مرحلة سينمائية، كانت تسود فيها أفلام الدعاية للزعيم موسيليني والأفلام العاطفية الرخيصة التي كانت تسمى “أفلام الهاتف الأبيض”، حيث كلما ظهر الهاتف يرن في بيت البطلة إلا وكان أبيض اللون، وأسس بعد ذلك لما كان يسمى بالسينما الواقعية الجديدة.

إذا كان فيلم “روما مفتوحة” قد أسس للسينما الواقعية الجديدة، بتغيير مضمون العرض السينمائي من الملهاة العاطفية الرخيصة إلى مآسي الواقع الإيطالي وتقديم أجوبة للأسئلة الفكرية، فإن فيلم “البحث عن زوج امرأتي” قد جاء بأجوبة للأسئلة الجمالية.

الاختلاف الأساسي بين الفيلمين هو أن الإيطالي قلب السينما الإيطالية لأنه جاء بمضمون جديد يضع المشاهد أمام واقعه. ويعد هذا بمثابة طرح بديل في الفكر الإبداعي للسينما الإيطالية. هذا البديل أقنع العديد من زملاء روسيليني ليسيروا على النهج نفسه. هكذا أنجز فيتوريو دي سيكا رائعته “سارق الدراجة”. المقصود بأن روسيليني قلب السينما الإيطالية، أن فيلمه “روما مدينة مفتوحة” كان النقيض التام لأفلام الهاتف الأبيض السائدة آنذاك.

أما فيلم “البحث عن زوج امرأتي”، فقد جاء ببديل جمالي، لأن القاسم المشترك الذي يجمع أبرز أفلام ما قبل 1993، هو نقد الواقع المغربي، من خلال إبراز تناقضاته. بينما فيلم “البحث عن زوج امرأتي” كان فيلما فرجويا بامتياز، خال من ذلك النقد، أو تلك التناقضات. ولكن بما أن الجماليات يحكمها التذوق، فلا يمكن أن يقلب السينما المغربية، لأن البديل الجمالي قد يقنع وقد لا يقنع، بناء على مقولة الأذواق لا تناقش.

وبما أن العنصر الجمالي هو أساس أية صناعة سينمائية، فإنني لا أدعي أن البديل الجمالي الذي جاء به فيلم “البحث عن زوج امرأتي” يمكن أن يشكل للسينما المغربية مناعة قادرة على مواجهة الأفلام المستوردة، خاصة الأمريكية المهيمنة على القاعات السينمائية، لكنه يفتح آفاق التفاؤل على المدى المنظور على الأقل، وربما على المدى البعيد.

البديل الجمالي الذي جاء به فيلم “البحث عن زوج امرأتي” تحديدا، هو ذلك التعامل مع المشاهد المغربي بليونة وسلاسة طيلة الفيلم، عكس ما كنا نشاهده في الأفلام المغربية من قبل، بما فيها فيلماه السابقان: “ابن السبيل” و”باديس”.

المقصود بأن البديل الجمالي الذي جاء به فيلم “البحث عن زوج امرأتي” لا يمكن أن يشكل مناعة للسينما المغربية، هو أنه لا يستطيع مقارعة الأفلام المستوردة، وخاصة الأفلام الهوليودية، لأنها تعتمد جماليات أقوى بكثير مما جاء به. ولفهم هذا، يجب تحديد موقع السينما المغربية داخل السينمات في العالم.

المعروف أن السينما الأمريكية هي أبرز سينما في العالم، بشكل جبروتي لا يضاهى، إذ تصل حصتها من الأفلام المعروضة في القاعات في العالم إلى نسبة 90%. وإذا اعتبرنا من باب التقدير أن المعدل العام هو 70%، فكم تكون حصة السينما في باقي البلدان الغربية من الـ30% وهي المعروفة بمدى قوتها وحضورها الطاغي، والمعروف أيضا أن السينما الفرنسية هي الثانية الأكثر رواجا في العالم بعد الأمريكية؟ وما تبقى منها، كم تكون حصة السينما الهندية التي يصل إنتاجها إلى 2000 فيلم في السنة رغم محدودية انتشارها؟ وكم هي حصة باقي البلدان الأكثر إنتاجا، كالصين واليابان وكوريا وإيران وتركيا ومصر وغيرها؟ وكم هي حصة باقي البلدان؟ وهنا يمكن أن نحدد-ولو بالتقريب-وضع السينما المغربية في العالم ونسأل: كم هي حصة المغرب من كل ما تبقى؟

هذه الأرقام تبين-ولو على وجه التقريب-مدى محدودية انتشار الفيلم المغربي في العالم. لكن ذلك لم يمنع أن تتبوأ الأفلام المغربية شيئا فشيئا المراتب المتقدمة في لائحة شباك التذاكر للأفلام المعروضة في القاعات المغربية في مرحلة النهضة، بعد أن كانت في مرحلة الأزمة تحتل المرتبة الأخيرة، أمام السينما الإيطالية والفرنسية والهندية والمصرية، لكنها لم تحتل قط المرتبة الأولى، أي أمام السينما الأمريكية. لأن النموذج السينمائي الهوليودي يعتمد عنصرا جماليا قويا استعصت مصارعته من طرف كل التجارب السينمائية في العالم منذ بداية السينما تقريبا.

عندما انتقلت السينما المغربية من مرحلة الأزمة إلى مرحلة النهضة، استبشرنا بذلك وتفاءلنا خيرا. لكن دار لقمان ما زالت على حالها. فعلامات الممارسة الإبداعية الشاذة، التي تطرح أسئلة الموقف من الثقافة المغربية قبل 1993، مازالت قائمة ومستمرة إلى الآن، ومازالت مطروحة على العديد من الأفلام، مما يخلق ضبابية عند النظر إلى الآفاق المستقبلية للسينما المغربية. وفي هذه الحالة (رواج الفيلم محليا دون تحقيق رغبة الجمهور المحلي)، يدخل عنصر مهم، يدور في أذهان المبدعين أكثر مما يدور في أذهان المشاهدين. ولا يهم فقط المغرب، بل كل سينما دول الجنوب، وهو العالمية.

الملاحظة الأولى حول العالمية في موضوعنا أن السينمائي، أيا كان، يدرك أن قوة أي سينما تكمن في مدى انتشارها العالمي (انتشار خطاب سينمائي، لا انتشار أفلام). والملاحظة الثانية، أنها تشغل بال السينمائيين في دول الجنوب، بينما تكاد تكون غير مطروحة للنقاش أو الاهتمام في سينما دول الشمال، لسبب معروف وواضح، وهو هيمنة سينما دول الشمال على المشاهد السينمائي في العالم بنسبة تفوق التسعين بالمئة، بينما نجد الكثير من النقاشات في سينما دول الجنوب تتخبط في تحديد ما هو الفيلم العالمي.

وأبرز أسباب ذلك التخبط أن ما للسينما ووسائل الإعلام والتواصل الجماهيري عامة في دول الشمال من قوة الخطاب، يعطيها القدرة على تكييف وتشكيل السينمائيين في دول الجنوب، وأن بقدرتها على الانتشار العالمي، فكأنها تملك سلطة تحديد الفيلم العالمي. وهنا يكمن الإيهام. فما أن تتناول وسائل الإعلام من بلدان الشمال، فيلما من بلدان الجنوب، أو يعرض في مهرجاناتها، أو قاعاتها، بهدف تحقيق مصالحها الخاصة بها-بكل ما يتضمنه ذلك من ابتزاز ثقافي-حتى يعتقد صاحبه أنه وصل إلى العالمية، كما يقول المثل المغربي: (قطع الواد ونشفو رجليه).

وبفعل هذه النشوة (العالمية) يكاد لا يدور في ذهن هذا السينمائي أي من أساسيات القوة السينمائية التي تحقق مصالحه، كالخطاب أو الثقافة او الهوية. وبدل أن يبحث السيمائي المغربي عن تحقيق العالمية من باب الإشهار لثقافته، يبحث عنها من باب التشهير بها. وهذه نتيجة متوقعة لوضع لا تكون فيه موازين القوى في صالحه. وفي ظل هذا الوضع، فهو يخاطب من موقع الضعف. والتفاقم نتيجة طبيعية لاستمرار حالة الضعف. وفي هذه الحالة، من السهل أن تخلق بعض الحالات الشاذة، حيت يصبح البعض ضد نفسه. فإذا كان من الصعب على السينمائي المغربي أن يخاطب مستقلا بذاته من موقع الضعف معلوما، فإن التغلب على ذلك، يتطلب القدرة على تحديد ذاته داخل العالم؛ أي أن يحدد كيف مالت موازين القوى في العالم لغير صالحه. وتزداد الصعوبة عندما تستقبل الكثير من الخطابات التي تنطلق من موقع القوة. والعكس بالعكس، خاصة في ظل هذا التطور المهول في وسائل الإعلام والاتصال والتواصل الاجتماعي الذي يعيشه العالم.

هذا الايهام أفرز تيارا داخل السينما المغربية يسير في الاتجاه المعاكس لمصلحته، في الوقت الذي قامت فيه أفلام بكل وفاء وإيمان بتثبيت ركائز سينما مغربية وطنية في مرحلة الأزمة، ومنذ بداياتها. أفلام حميد بناني ومومن السميحي واحمد المعنوني ومحمد عبد الرحمن التازي… وبعد انفراج الأزمة، ظهرت مجموعة من الأفلام لمخرجين ساروا في التيار نفسه كأفلام لمحمد العسلي وإسماعيل فروخي وحكيم بالعباس، وإلى حد ما داود أولاد السيد، على سبيل المثال.

فما كان يلاحظ مثلا على فيلم “عرس الدم”، وما جلبه من انتقادات قبل 1993، ما زال يلاحظ على أفلام مغربية عديدة بعد 1993، وإن بأساليب ورؤى وأدوات مختلفة.

فالإيهام بالعالمية، ليس فقط في مرحلة الأزمة، عندما يعرض فيلم “عرس الدم” (1977) مشاهد فلكلورية دون أن تشكل جزءا من جسد الرواية في الفيلم، بل أيضا بعد الأزمة، عندما يغيب التوازن وتطغى مظاهر التشدد والتزمت في صورة الإسلام في فيلم “يا خيل الله”، ويغيب فيها كليا الإسلام كما يعرفه المشاهد المغربي (كما يرغب أن يراه)، لينفجر إرهابا ضد السياح الأوروبيين. وليس هذا فقط، بل يسمح غياب التوازن هذا بتمرير خطاب الإسلاموفوبيا. ولا غرابة أن يقوم المخرج الامريكي (جونتان ديم) بتسويق الفيلم في الولايات المتحدة الأمريكية دون غيره من أفلام المخرج.

والإيهام بالعالمية أيضا عندما يتم انتقاء الرقص المثير للحس الأيروتيكي الغريزي، وتقديمه كأنه الرقص الوحيد عند العرب، لحصر رغبات الجسد العربي في الاستعراض الإيروتيكي. وأن هذا الرقص هو أفضل ما يمكن للعرب أن يقدموه للعالم (الغرب)، ويجعل هذا من الفيلم مجرد سخرة استشرافية، بكل ما يتضمنه ذلك من دونية الذات العربية أمام استعلاء الغرب في فيلم “كل ما تريده لولا”، أو عند إثارة عواطف الشفقة على مناظر التخلف في فيلم “علي زاوا”، أو إثارة العين الأجنبية بغرائبية التخلف في فيلم “الراقد”، أو عندما ينسب القهر الاجتماعي إلى مقدسات المشاهد (شهر رمضان وليلة القدر) في فيلم “ألف شهر”، رغم أن الفيلم كان مرتبكا بين نسبة هذا القهر إلى رمضان ونسبته إلى سنوات الرصاص، أو عندما يظهر المغربي كتلميذ أمام الغرب (النصارى حسب تعبير الفيلم)، يتعلم منه كيف يأكل وكيف ينام، ويقر بأن الطب في فرنسا أفضل منه في المغرب، (المغرب الفاشل مقابل فرنسا الناجحة) في فيلم “جوق العميين”، أو عندما لا تجد أفلام كـ”العيون الجافة”، أو “الزين لي فيك”، مادة فيلمية للتعبير عن معاناة المرأة المغربية إلا في انحطاطها الأخلاقي، وهو البغاء، لتبرير مشاهدها الصادمة للمشاهد والمهينة لصورة الجسد المغربي.

بعد مرور العقود الثلاثة على عرض فيلم “البحث عن زوج امرأتي”، لا أرى أن المكونات التي جعلته شرارة الانطلاق لنهضة السينما المغربية تم الأخذ بها. ونبدو كأننا نزهو بمرحلة لم ندرك بعد حقيقة مصدرها، وما زلنا ننتج أفلاما تحمل في طياتها أسئلة عن الأسس التي يمكن أن تقوم عليها أية صناعة سينمائية، كالهوية والثقافة والخطاب السينمائي. ما زلنا ننتج أفلاما تنطق بخطابات الآخرين، مما يؤكد هذه الضبابية الكثيفة عند النظر إلى الآفاق المستقبلية لنهضة السينما المغربية. فكم هي مؤلمة هذه الحالات الشاذة التي نكرر فيها بمحض إرادتنا خطابات هذا الآخر حولنا، والاسوأ أن تكون أفلامه المحملة بهده الخطابات هي من يحتل قاعاتنا.

فلماذا نكرس خطابات الآخر حولنا؟ أليست لنا هوية؟ أليست لنا ثقافة؟ ولماذا لم نتشبع بالجماليات التي أفرزتها ثقافتنا؟ ثم لماذا هذه الحالات الشاذة في السينما المغربية وقد انتقلت من الأزمة إلى النهضة؟ ألا يحمل هذا الانتقال في طياته أزمة إبداع واضحة؟

[ad_2]