[ad_1]
في أمسية أدبية استضافتها الرابطة الفرنسية بأبوظبي، بتنظيم من السفارتين المغربية والفرنسية بالإمارات، ناقش الروائي والمؤرخ الفرنسي جيلبير سينويه روايته التاريخية الملحمية عن المغرب والمقسمة إلى ثلاثة أجزاء، كتب منها جزأين هما “جزيرة المغرب”، و”منقار البط”، والجزء الثالث سيصدره لاحقاً.
قضى سينويه عاماً ونصف العام يطلع على وثائق ومنشورات حول تاريخ المغرب في المغرب وفي المكتبة الوطنية الفرنسية، التي أقر بأنه وجد فيها مراجع ومخطوطات أكثر، قبل بدء كتابة روايته التاريخية عنه. يَعتبر سينويه المغرب فسيفساء شاسعة وذات تاريخ استثنائي ومُركَّب في المنطقة العربية. فسكان المغرب الأصليون، الأمازيغ، استوطنوا المغرب منذ زمن طويل وكانت لهم حضارة وثقافة تميزهم وكل شيء.
بدأ سينويه الحديث عن مولاي إسماعيل، الذي صار سلطانا بعد وفاة أخيه وعمره 26 سنة عقب حادثة سقوطه من حصان. وقال إن كل حكام القرن 16 كانوا جبابرة، وأن المولى إسماعيل لم يكن استثناءً، فإيطاليا كانت قد جلبت 600 مملوك من مصر وقطعت رؤوسهم، ونابليون قتل مئات الآلاف في حملاته العسكرية، لافتا إلى أن السلطان إسماعيل بنى أيضاً الكثير وحقق إنجازات عدة.
ولم ينس سينويه توجيه الشكر إلى صديقه القدير مصطفى القادري، الذي قال إنه ساعده كثيراً في تحري صدقية عدد من المخطوطات والوثائق. كما وصف أصدقاءه المغاربة الآخرين بالرائعين الذين فتحوا له أبواب بيوتهم بسخاء.
أسلوب سينويه في كتابة الرواية التاريخية يقوم على جعل التاريخ يتغشى مفاصل الرواية، دون السماح للتاريخ بالتهام الرواية.
وظف الروائي الفرنسي رؤية مزدوجة عبر اللجوء إلى شخوص مغربية تتحدث عن تاريخها وحياتها، وشخوص أجنبية تتحدث عن تطور المغرب بعدسات خارجية. واعتبر هذه الرؤية المزدوجة لحضارة المغرب مهمة جداً.
كما تحدث عن انبهاره باكتشاف التعليمات التي أصدرها المولى إسماعيل إلى المغاربة فترة انتشار الطاعون، والتي كانت مطابقة تماماً للتعليمات الصحية التي أصدرتها دول العالم مؤخراً خلال تفشي جائحة “كورونا”، مثل لزوم البيت ومنع السفر وإلزامية وضع الكمامات، التي كانت في عهد المولى إسماعيل على شكل منقار بط.
وتأسف سينويه لكون التاريخ يُكتَب دوماً بأيدي الرجال، مضيفا أن نساء المغرب لعبن في الظل أدواراً استثنائية. وذكّر بأن بانية أول جامعة في التاريخ هي المغربية فاطمة الفهرية، وبعد جامعة القرويين جاءت السوربون وأكسفورد وغيرهما. كما تحدث بتقدير عالٍ عن السيدة الحرة، وتأسف لعدم حديث المؤرخين عنها، فهي قررت، هي الأندلسية التطوانية سليلة الحسب والنسب، أن تصبح قرصانة وقاتلت المحتل البرتغالي والقوات البحرية الغربية بشجاعة قل نظيرها. واعترف بأن السيدة الحرة أكثر من أبهره ضمن شخوص روايته، ومن بين مظاهر ذلك اشتراطها بإباء على السلطان أحمد الوطاسي عندما بعث في طلب يدها أن يأتي عندها بنفسه إلى تطوان.
وعبر سينويه عن حزنه لرؤية الفتور الذي تشهده العلاقات الفرنسية المغربية، فالحب متبادل بين الشعبين، حسب رأيه، ومؤسف أن تسود هذه الفترة علاقات فاترة بهذا الشكل لأسباب سياسية، معرباً عن أمله في عودة الدفء قريباً بين البلدين.
ووافق سينويه رأي المؤرخين الذين اعتبروا عجز الإمبراطورية العثمانية عن غزو المغرب ناتجاً عن خوفها من أن يصبح المغرب مقبرة لجنودها بسبب قوته حينها. فالمغرب، يضيف الروائي الفرنسي، لم يكن بلداً سهلاً، فكل غازٍ كان يفكر في غزو المغرب كان يستحضر أنه ليس مغرباً واحداً وإنما مغارب، لأن هناك قبائل وعائلات حاكمة وأمازيغ وأعراقا متعددة وثقافات متنوعة.
واستنكر كيف أنه في القرن الحادي والعشرين لا تزال دولة كإسبانيا تحتل مناطق مغربية! مشيرا إلى أن الصحراء كانت مغربية ولا شيء غير ذلك على مر التاريخ، فكل سلاطين المغرب، بمن فيهم السلطان إسماعيل، بسطوا سيطرتهم عليها وكانوا يمرون إلى إفريقيا عبرها، ولو كانت غير مغربية لعرف المؤرخون ذلك ولما سهُل على المغرب التوسع إلى دول إفريقية، يضيف سينويه، الذي اعتبر أن إنكار مغربية الصحراء من النقاشات السياسية التي تزعجه نظراً لتنكرها للتاريخ.
من جهة أخرى، قال الروائي الفرنسي إن كل ما هو معاصر من قصص يصيبه بالملل.
وعن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، استغرب كيف أنه لا تزال الحروب تجري في أوروبا، وتذكر بحسرة ذلك الصباح الذي استفاق فيه الأوروبيون على خبر بدء حرب في قارتهم، وكيف أنهم لم يصدقوا في الوهلة الأولى ما سمعوا ورأوا! “فلا يعقل إطلاقاً أننا في القرن الحادي والعشرين ونشهد حرباً ناشبةً على بعد ساعات من باريس. هذا غير مقبول!” يضيف سينويه، الذي عبر عن موافقته رأي من يقول إن أكثر الحروب تدميراً هي تلك التي شنها قادة يعيشون في الماضي، وهذه هي المأساة، فقائد روسيا حالياً يستلهم تحركاته من ذاكرة قياصرة وأباطرة العهد السوفييتي الذين سبقوه، فهؤلاء يعيشون للأسف أحلاماً طوباوية ماضوية، وهم مجانين. وختم سينويه بالقول إنه لن يكتب أبداً عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
[ad_2]