[ad_1]
رغبةٌ قوية في إعادة كتابة تاريخ إفريقيا، وبمداد القارة، بعد أن ظل هذا التاريخ منذ قرون وإلى الآن يُدوّن، في مجمله، من محبرة الغرب، جرى التعبير عنها من طرف عدد من المؤرخين والمثقفين الأفارقة في الندوة التي تنظمها أكاديمية المملكة المغربية حول موضوع “كتابة التاريخ الإفريقي: الواقع، الإكراهات والتحديات”.
واختارت أكاديمية المملكة المغربية صورة مرافقة لعنوان الندوة عبارة عن خارطة القارة الإفريقية على شكل بصْمة، وهي الصورة التي استخلص منها أحمد شكري، أستاذ التعليم العالي بمعهد الدارسات الإفريقية بالرباط، فكرة فحواها أن “إفريقيا تريد أن تكون لها بصمتها الخاصة بين قارات الكرة الأرضية، وأن تفصح عن نفسها وأن تحوز خاتم التوقيع لنفسها”، مبرزا أن الصورة “معبّرة بشكل دقيق عن تطلعاتنا وطموحاتنا، وعما نريد تحقيقه من خلال هذه الندوة”.
واستحضر المتحدث مقولة للروائي النيجيري تشينوا أتشيبي، الذي قال، منذ 1958: “إذا لم تكن راضيا عن السيرة التاريخية التي كتبها الآخرون عنك ولكَ فاكتب تاريخك الخاص”، مضيفا: “هذا ما ننشده جميعا؛ نريد أن نكتب تاريخنا الخاص بأنفسنا”.
ولفت شكري إلى أن مجمل ما كُتب عن تاريخ إفريقيا منذ القدم إلى الوقت الراهن جاء من خارج القارة، موردا أن جُلّ المفاهيم المتداولة في إفريقيا جاءت من الخارج أيضا، “وكيَّفت عقليتنا وخطابنا بشكل من الأشكال”، ومعتبرا أن ثمة حاجة إلى إعادة النظر ف مسألة كتابة التاريخ الإفريقي، “لأن الأفارقة لم يكتبوا تاريخهم بعد”.
“ورغم وجود محاولات من طرف المؤرخين الأفارقة لكتابة تاريخ قارتهم، إلا أن الزخم المعرفي الذي جاء عبر العصور من خارج القارة مازال هو المهيمن”، يردف الأستاذ ذاته، مشددا على أن معالجة إشكاليات وتحديات وإكراهات كتابة تاريخ إفريقيا “هي ضرورة ملحّة وتستحق أكثر من وقفة”.
وتوقف المتحدث ذاته عند استمرار إنتاج واستعمال المفاهيم والمصطلحات التي تُدنّي مرتبة سكان القارة الإفريقية، من قبيل نعتهم بالسود، أو الزنوج، “في تكريس للميز القائم على اللون؛ في حين أن ‘لعبة الألوان’ هذه لم تعد موجودة في قارات أخرى”، وفق تعبيره.
ودعا شكري إلى مراجعة المصطلحات المتداولة وإعادة النظر في الكثير من المفاهيم المتوارثة التي يستعملها الأفارقة ويعيدون إنتاجها عن غير وعي، وتتم إعادة توظيفها من طرف أبنائهم، متسائلا: “لماذا نعْت الأفارقة بالسود؟”.
ولفت الجامعي ذاته إلى أن الصينيين، على سبيل المثال، لا يقبلون أن يُسمّوا “الأمة الصفراء”، وإلى أن عبارة “الهنود الحمر” التي كانت تُستعمل لوصف السكان الأصليين للولايات المتحدة الأمريكية اختفت من دراسات وأبحاث الباحثين الأمريكيين، ويتم بدلها استعمال عبارات أخرى، من قبيل المستوطنين الأوائل.
وختم المتحدث ذاته بأن “إفريقيا لا تريد أن تحاسب أحدا، أو اعتذارا من أحد، بل تتوق إلى المستقبل، وتريد أن تعلن عن بصمتها الخاصة”.
كاترين كوكيري، أستاذة فخرية بجامعة باريس ديديرو بفرنسا، اعتبرت أن “المؤرخين الفرانكفونيين الأفارقة من الجيل الرابع للاستقلال (ابتداء من سنة 1960) متأثرون جدا بأساتذتهم الفرنسيين الذين يميلون إلى النأي بأنفسهم عن نماذج التاريخ الاستعماري”.
واعتبرت المتحدثة ذاتها أن “التاريخ الإفريقي، انطلاقا من الحساسية السائدة للاتجاهات الحالية في تاريخ العالم، أعيد النظر فيه من طرف المؤرخين المنتمين إلى إفريقيا الفرانكفونية، وذلك باستعمال جملة من المفاهيم التي تمت مراجعتها من طرف نظرائهم الفرنسيين، والتي كان يُساء فهمها”.
وتوقف أكا كوامي، رئيس جمعية المؤرخين الأفارقة، عند محاولات المؤرخين الأفارقة الأوائل المكوّنين في أوروبا، الذين عادوا إلى بلدانهم لشغل مناصب أساتذة جامعيين، كتابة تاريخ إفريقي وطني، غداة استقلال الدول الإفريقية وخروجها من الاستعمار، وذلك ابتداء من عام 1970.
وأبرز المتحدث ذاته أن من بين الإشكالات التي تعاني منها كتابة التاريخ الإفريقي عدم تحديد الموضوعات التي يتم تناولها من طرف المؤرخين الأفارقة، مرجعا سبب ذلك إلى كون التطرق إلى موضوعات جديدة يستدعي من المؤرخ أن يكون على دراية واسعة بالتاريخ واتجاهاته المتعددة.
[ad_2]