حرق المصحف الشريف يسيء للأديان.. وجهات متطرفة تستفز المسلمين

مجتمع

[ad_1]

قال المحجوب بنسعيد، الباحث في الاتصال والحوار الحضاري: “ليست المرة الأولى التي يحرق فيها المصحف في الفضاءات العامة، فمنذ عام 2011 حدث ذلك الفعل الشنيع في عدد من الدول في أوروبا وأمريكا”، مضيفا أنه “يتضح من الجرد الزمني لأحداث حرق المصحف الكريم أن هناك جهات متطرفة تمعن في استفزاز مشاعر المسلمين ولا تحترم الرموز الدينية”.

وبعدما ذكّر بنسعيد، في مقال له بعنوان “حرق المصحف الشريف إساءة للأديان”، بمجموعة من المنتديات والمؤتمرات والندوات الوطنية والدولية التي تدعو إلى احترام الأديان، أكد على أن “تكرار الإساءة للأديان، وخاصة الدين الإسلامي، في بعض الدول الأوروبية ومنها السويد والدانمارك وهولندا، من خلال الاعتداء على دور العبادة وحرق النصوص الدينية، يطرح تحديات جمة على المسلمين وغير المسلمين بشكل عام وعلى المجتمع الدولي”.

وهذا نص المقال:

مرة أخرى يقوم شخص في السويد بحرق نسخة من المصحف الشريف، وكان الفاعل هذه المرة من جنسية عراقية ذكرت الأخبار أنه لاجئ ينحدر من محافظة نينوى شمال العراق، ليبرالي ملحد ومتطرف، سبق اعتقاله في العراق في عام 2017 بتهم انتهاكات وجرائم حرب، وقد أطلق سراحه بتدخل دولي وبعدها لجأ إلى السويد وانضم إلى أحد الأحزاب العنصرية فيها.

إنها ليست المرة الأولى التي يحرق فيها المصحف في الفضاءات العامة، فمنذ عام 2011 حدث ذلك الفعل الشنيع في عدد من الدول في أوروبا وأمريكا. ففي السنة الماضية قام زعيم حزب “الخط المتشدد” الدانماركي اليميني المتطرف بحرق نسخة من المصحف قرب السفارة التركية في ستوكهولم، وسط حماية من الشرطة. وفي عام 2022 أحرق زعيم حركة “أوقفوا أسلمة النرويج” نسخة من المصحف الشريف في حي تعيش فيه جالية مسلمة كبيرة بضواحي العاصمة النرويجية أوسلو. وفي عام 2020 أقدمت مجموعة نرويجية متطرفة معادية للإسلام تنتمي إلى حركة “أوقفوا أسلمة النرويج” على تمزيق صفحات من القرآن الكريم والبصق عليها خلال مظاهرة مناهضة للإسلام في العاصمة أوسلو.

وخلال عام 2019 نظمت هذه الحركة مظاهرة قامت خلالها بإلقاء نسختين من القرآن في سلة قمامة، ثم أحرق زعيم الحركة نسخة أخرى. كما عثرت السلطات الألمانية على نحو 50 مصحفا ممزقا داخل مسجد الرحمة وسط مدينة بريمن. وفي عام 2015 هاجم مجموعة من المتظاهرين قاعة صلاة للمسلمين بحي شعبي في أجاكسيو بجزيرة كورسيكا جنوب فرنسا، وخربوها وأحرقوا مصاحف وكتبوا عبارات معادية للعرب. كما أحرق رجل دنماركي نسخة من المصحف الشريف في فناء منزله الخلفي، ونشر مقطعا مصورا لفعلته. وفي عام 2014 اعتقلت الشرطة البريطانية شابا قام بتمزيق نسخة مترجمة إلى الإنجليزية من القرآن الكريم، ووضعها في المرحاض ومن ثم حرقها، قبل أن تفرج السلطات عنه بكفالة. وفي عام 2012 قام القس الأمريكي تيري جونز بحرق نسخة من المصحف، وبث المشهد عبر الإنترنت، احتجاجا على اعتقال رجل دين مسيحي في إيران. وخلال سنة 2011 قضت محكمة بريطانية بسجن جندي سابق لمدة 70 يوما بسبب إضرامه النار في المصحف الشريف بمركز مدينة كارلايل بإنجلترا. كما اعتقلت الشرطة مرشحا عن الحزب اليميني المتطرف البريطاني الوطني، بعدما أحرق نسخة من المصحف الشريف في حديقة منزله. وأشرف القس الأمريكي تيري جونز على حرق نسخة من المصحف في كنيسة صغيرة بفلوريدا.

يتضح من هذا الجرد الزمني لأحداث حرق المصحف الكريم أن هناك جهات متطرفة تمعن في استفزاز مشاعر المسلمين، ولا تحترم الرموز الدينية، ولا تعير أي اعتبار للإعلانات والاتفاقيات الدولية الداعية إلى عدم الإساءة للأديان والحد من خطاب الكراهية والدعوة إلى الحوار والوئام والتسامح والتعايش بين أتباع الأديان واحترام التعددية الدينية والتنوع الثقافي للأقليات الدينية في كل بقاع العالم.

لكن الأمر الخطير أن هذه الأفعال في السويد تتم بحماية من الشرطة تحت ذريعة حرية التعبير والقيام بفعل بعد الحصول على ترخيص. فقد كشفت تقارير إخبارية أن اللاجئ العراقي سبق له أن طلب ترخيصا من السلطات السويدية للتظاهر وحرق القرآن، لكنها رفضت في بداية الأمر بسبب المخاوف من الإخلال بالأمن، غير أن المحكمة الإدارية في ستوكهولم اعترضت على منع الترخيص وسمحت للمعني بالأمر بحرق القرآن بدعوى أن قرار الشرطة مخالف لقانون حرية الرأي.

واضح أن المشكل يعود إلى السلطات القضائية السويدية، التي تسمح بارتكاب أفعال تتعارض مع القانون الدولي وتتناقض مع جوهر الإعلانات والاتفاقيات والقرارات الدولية، بل إنها بمواقفها الداعية إلى احترام حرية التعبير على حساب حقوق الآخر، تساهم في دعم وحماية مروجي خطاب الكراهية، وتشجع على إشعال نار الفتنة والأحقاد، وتستفز مشاعر ملايين المسلمين عبر العالم، بل الأخطر من كل ذلك أنها تتيح الفرصة للمتطرفين والإرهابيين للعودة لأفعالهم التخريبية بدعوى الدفاع عن الإسلام ومقدساته، وبالتالي يتم نسف الجهود الدولية الهادفة إلى القضاء على مسببات العنف والتطرف والإرهاب.

يجب التذكير أن الإساءة إلى مشاعر المسلمين واستفزازهم لم تقتصر فقط على حرق المصحف الكريم، فقد سبقها نشر رسوم كاريكاتورية حول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كانت بدايتها مع جريدة “جيلا ندربوستن” الدانماركية في سنة 2005، ثم بعد ذلك تم إخراج أفلام مسيئة لشخصية الرسول الكريم، أشهرها فيلما “فتنة” و”براءة المسلمين”. وقامت حركة “أوقفوا أسلمة الدانمارك” بتنظيم معرض رسوم كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالعاصمة الدانماركية كوبنهاغن، كما أعلن اتحاد معلمي التربية الدينية في الدانمارك عن رغبته في إدراج الرسوم الساخرة عن المقدسات الدينية، ومنها الرسوم الكاريكاتورية عن الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، في مناهج التعليم. وتواصلت هذه الإساءات من خلال المواظبة على إعادة نشر هذه الرسوم في جريدة “شارلي إيبدو” الفرنسية وما أثارته من ردود عنيفة تراوحت بين القتل والتصفية والتنديد السلمي والمطالبة بمقاطعة السلع الفرنسية. وأجمعت المؤسسات السياسية والثقافية والدينية في العالم الإسلامي على أن نشر الرسوم الكاريكاتورية هو تصرف عنصري غير أخلاقي يراد منه استفزاز مشاعر المسلمين، ولا يسهم في تعزيز الجهود الدولية المبذولة من أجل نشر قيم الحوار بين الثقافات، واحترام التنوع الثقافي والأديان والتعايش بين أتباعها، بل يشجع على الكراهية والعنصرية.

وأكدت منظمات حقوقية إسلامية ودولية على أن نشر الرسوم الكاريكاتورية عن الرسول الكريم في عدد من الصحف الأوروبية يعد من أبرز النماذج التي تجسد خرقا سافرا للقانون الدولي في مجال الإعلام ولمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللاتفاقيات والقرارات المتفرعة عنه. كما أكد كثير من فقهاء القانون على أن هذه الرسوم تعد تحريضا صريحا على كراهية الإسلام والمسلمين، ولا تتوافق البتة مع مبدإ حرية التعبير، بل تندرج ضمن الأفعال المجرمة في قانون العقوبات.

ومما يبعث على الاستغراب والخوف والقلق أن هناك جهات ما زالت تمعن في استمرار ارتكاب هذه الأفعال المشينة رغم الجهود الدولية والمكاسب المحققة في مسيرة تعزيز الحوار والوئام والأمن والسلام بين المجتمعات البشرية. ومن هذه الجهود موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع على اعتماد 15 مارس يوما سنويا لمكافحة كراهية الإسلام. ونص القرار الأممي على الدعوة إلى “تنظيم ودعم مختلف الأحداث البارزة التي تهدف إلى زيادة الوعي بفاعلية على جميع المستويات في مكافحة كراهية الإسلام”. ودعا القرار إلى “تعزيز الجهود الدولية لتعزيز الحوار العالمي بشأن تعزيز ثقافة التسامح والسلام على جميع المستويات، على أساس احترام حقوق الإنسان وتنوع الأديان والمعتقدات”. ورفض القرار كل “أعمال العنف ضد الأشخاص على أساس دينهم أو معتقداتهم والأفعال الموجهة ضد أماكن عبادتهم، وكذلك جميع الاعتداءات على الأماكن والمواقع والمزارات الدينية وفي داخلها، والتي تشكل انتهاكا للقانون الدولي”. ودعا “جميع الدول الأعضاء، والمؤسسات ذات الصلة في منظومة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمنظمات الدينية إلى تنظيم ودعم مختلف الأحداث البارزة التي تهدف إلى زيادة الوعي بشكل فعال على جميع المستويات في مكافحة كراهية الإسلام”. وأعرب عن قلقه العميق إزاء “الارتفاع العام في حالات التمييز والتعصب والعنف، بغض النظر عن الجهات الفاعلة، الموجهة ضد أتباع العديد من الأديان والمجتمعات الأخرى في أجزاء مختلفة من العالم، بما في ذلك الحالات التي يحركها الخوف من الإسلام ومعاداة السامية، وكره المسيحية والأحكام المسبقة ضد الأشخاص من ديانات أو معتقدات أخرى”.

ومن تلك الجهود احتضان مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك يوم 18 يونيو 2023 مؤتمرا دوليا عقدته رابطة العالم الإسلامي للإعلان عن إطلاق مبادرة “بناء جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب”، التي حظيت بالدعم الكامل من قبل الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيرش. وحضر هذا المؤتمر العالمي رئيس الجمعية العمومية بالأمم المتحدة، والمبعوث السامي لتحالف الحضارات، والمستشار الخاص لتعدد الثقافات والأديان بالأمم المتحدة، وممثلو البعثات الدائمة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والقادة الدينيون من مختلف الأطياف، وممثلو منظمات المجتمع المدني، والباحثون والخبراء المتخصصون في قضايا الحوار والسلام والتعايش بين الشعوب.

وعقدت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) في بداية شهر يونيو 2023، بشراكة مع جامعة القاضي عياض بمراكش، الندوة العلمية الدولية حول “الدبلوماسية الحضارية.. قراءات متقاطعة”، حيث تم إبراز أهمية الدبلوماسية الحضارية؛ كمفهوم حديث طرحته “الإيسيسكو” عام 2020، كما تم الـتأكيد على أن هذا المفهوم الجديد لا يزال بحاجة إلى مزيد من الصقل والتأطير المعرفي والبناء الفكري والسياسي، من خلال تضافر جهود مختلف الفاعلين في مجال التواصل الدولي من منظمات ومؤسسات ومراكز وتمثيليات دولية.

وفي منتصف شهر يونيو 2023 عقد بمدينة مراكش المؤتمر البرلماني حول الحوار بين الأديان، تحت شعار “الحوار بين الأديان.. التعاون من أجل مستقبل مشترك”. وفي ختام أشغاله تمت المصادقة على إعلان مراكش، الذي نص على إحداث آلية مؤسساتية في إطار الاتحاد البرلماني الدولي بهدف دراسة الممارسات الفضلى ومتابعة ورصد المستجدات وتقديم اقتراحات في مجال حوار الأديان، حيث سيعهد إلى هذه الآلية بمتابعة إدماج رؤية البرلمانيين وممثلي الديانات والمعتقدات وممثلي المجتمع المدني فيما يرجع إلى حوار الأديان. كما نص الإعلان على تشكيل مجموعات عمل أو لجان برلمانية على مستوى البرلمانات الوطنية تهتم بالحوار بين الأديان وبين الثقافات من أجل التعايش السلمي والإدماج الاجتماعي وتيسير التعاون بين هذه المجموعات أو اللجان.

وفي شهر نونبر من عام 2022 احتضنت مدينة فاس أعمال المنتدى العالمي التاسع للأمم المتحدة لتحالف الحضارات، حيث اعتمد المشاركون “إعلان فاس”، الذي دعا إلى “التنفيذ الكامل لما تم التوافق عليه والالتزام التام به حتى تتمكن الحكومات، بدعم من المجتمع المدني، من تجاوز التحديات والتقدم نحو أهداف العيش المشترك في مجتمعات سلمية ودامجة، تحقيقا للتنمية المستدامة”. وأكد المشاركون في المنتدى على أن “حرية التعبير وحرية المعتقد مترابطتان بشكل وثيق وتعززان بعضهما البعض”، مشددين على “الدور الذي يمكن أن تضطلع به هذه الحقوق في محاربة كافة أشكال التعصب والتفرقة القائمة على الدين أو المعتقد”. واعتبروا أن “احترام التنوع الثقافي والحقوق الثقافية لجميع الأشخاص، وفقا للمعايير الدولية، يعزز التعددية الثقافية من خلال المساهمة في تبادل أوسع للمعرفة وفهم أفضل للسياق الثقافي، بما يعزز ضمان حقوق الإنسان والتمتع بها في جميع أنحاء العالم، ويوطد علاقات مستقرة وودية بين شعوب وأمم العالم أجمع”. وحث المشاركون التحالف على مواصلة عمله من خلال مجموعة من المشاريع، بالتعاون مع الحكومات والمنظمات الدولية والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني، وكذا وسائل الإعلام. كما دعا المشاركون إلى مواصلة المنتدى تعزيز وتوسيع التزامه تجاه القيادات والفاعلين الدينيين، وتمكينهم من فرص الحوار بين الأديان من أجل نشر قيم التسامح والاحترام والتفاهم المتبادل ونبذ العنف.
منذ اقتراف ذلك الفعل الشنيع توالت ردود الأفعال الإسلامية والدولية، وبدأت تلوح في الأفق إجراءات جديدة في الطريق السليم والفاعل والمؤثر للحد من هذه الأفعال المشينة، من بينها قيام وزارة الخارجية المغربية باستدعاء القائم بالأعمال السويدي بالرباط، كما تم استدعاء السفير المغربي بالسويد للتشاور “لأجل غير مسمى”. ومن المبادرات المهمة عزم المملكة العربية السعودية عقد اجتماع طارئ لمناقشة تداعيات حرق نسخة من المصحف الشريف. يضاف إلى ذلك تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية الذي قال فيه “إن إحراق نصوص دينية سلوك عديم الاحترام ومسيء، وما قد يكون قانونيا ليس بالضرورة لائقا”، وتصريح الرئيس الروسي الذي أكد فيه أن “روسيا تكن احتراما شديدا للقرآن ولمشاعر المسلمين الدينية، وعدم احترام هذا الكتاب المقدس في روسيا جريمة”، والبيان الصادر عن الأزهر الشريف الذي دعا الشعوب العربية والإسلامية إلى مقاطعة المنتجات السويدية، وبيان رابطة العالم الإسلامي الذي دان “بأشد العبارات جريمة حرق نسخة من المصحف الشريف في العاصمة السويدية ستوكهولم، في مشهد مشين واستفزازي لمشاعر المسلمين، لا سيما في عيد الأضحى المبارك”. وشدد بيان رابطة العالم الإسلامي على التحذير من أخطار الممارسات المحفزة للكراهية، وإثارة المشاعر الدينية التي لا تخدم سوى أجندات التطرف. وأكد الشيخ الدكتور محمد العيسى، الأمين العام للرابطة، رئيس هيئة العلماء المسلمين، على أن السماح لهذه الأعمال المعادية للإسلام بحجة حرية التعبير أمر لا يمكن قبوله، وأن “غضّ الطرف عن مثل هذه الأعمال الشنيعة يعني التواطؤ معها”. وأكد مجلس التعاون لدول الخليج أن حرق المصحف “يدل على حقد وكراهية وتطرف”، داعيا إلى ضرورة تحرك السلطات السويدية لوقفها “بشكل فوري”. واعتبر البرلمان ما حدث عملا تحريضيا من شأنه تأجيج مشاعر المسلمين حول العالم، مستنكرا استمرار السلطات السويدية في مثل هذه “الاستفزازات”.

وأعربت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي عن إدانتها الشديدة لحرق المصحف في السويد، وأكدت أن مثل هذه الأعمال البغيضة تحرض على الكراهية والإقصاء والعنصرية، ونبهت إلى خطورة هذه الأعمال التي تقوّض الاحترام المتبادل والوئام بين الشعوب وتتعارض مع الجهود الدولية لنشر قيم التسامح والاعتدال ونبذ التطرف. وحثت منظمة التعاون الإسلامي حكومات البلدان المعنية على اتخاذ إجراءات فعالة لمنع تكرارها.

من جهتها، أصدرت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) بيانا دانت فيه بأشد العبارات إحراق نسخة من المصحف الشريف، واعتبرت ذلك الفعل المشين سلوكا همجيا وفعلا مخزيا يستفز مشاعر المسلمين حول العالم، ويبرهن على الانهزام الحضاري ومجانبة روح التسامح المؤمن بالتنوع الثقافي والعقدي، ويفضي إلى إثارة مشاعر البغضاء وإحياء خطاب الكراهية. وأعلنت “الإيسيسكو” عن استعدادها التام للتعاون مع جميع القوى العالمية المحبة للسلام، ترسيخا لقيم التعايش ودعائم الاعتدال.

إن تكرار ارتكاب هذه الافعال الاستفزازية المسيئة للدين الإسلامي، بل للأديان جميعها، أصبح يستدعي تدخلا دوليا حاسما من خلال سن تشريعات وقرارات ملزمة، واتخاذ عقوبات صارمة في حق الحكومات والجماعات والمؤسسات التي تسيئ إلى الأديان وتنشر الكراهية وتسبب في انتشار التطرف والعنف والإرهاب. ولم يعد مجديا ومقبولا الاكتفاء بإصدار بيانات التنديد والتعبير عن مشاعر التعاطف والاستنكار.

إن التذرع بحرية الرأي والتعبير في عدم معاقبة من يقومون بأفعال تسيئ للأديان ورموزها المقدسة، كما هو الحال في القانون السويدي، ما زال يثير نقاشات حادة وانتقادات عنيفة كان من بين أهدافها منع احتقار وسب الأديان والحد من خطاب الكراهية، مما أدى إلى تشكل تيار دولي يتكون من منظمات حكومية وغير حكومية ومؤسسات المجتمع المدني المهتمة بحقوق الإنسان والسلام والأمن، التي تطالب بسن تشريعات ملزمة تضمن الحماية الدولية للحرية الدينية، واحترام الأديان جميعها بدون تمييز او استثناء. ويعمل هذا التيار الدولي، الذي يشمل الحكومات والمنظمات في العالم الإسلامي، على توضيح أن حماية الحرية الدينية متجذرة في قواعد القانون الدولي، وأنها تحظى بعناية أجهزة الأمم المتحدة من خلال الربط بين عودة العنصر الديني في العلاقات الدولية، واهتمام الأمم المتحدة بموضوع الإساءة إلى الأديان منذ عام 1981. لكن الاهتمام بالموضوع تزايد أكثر داخل أروقة الأمم المتحدة ومن خلال بعض الأجهزة التابعة لها، مثل الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، مباشرة قبل أحداث 11 سبتمبر 2001 بقليل وما بعدها.

لقد تبنت هذه المؤسسات مجتمعة فكرة تحريم الإساءة إلى الأديان وسبها وقدفها، وسب الذات الإلهية، وشددت على أن الأمم المتحدة جعلت موضوع إهانة وتحقير الأديان والسخرية منها مرادفا تماما للحث على العنصرية وعلى الكراهية الدينية. ورغم الجهود المتوالية التي تبذلها الجهات الداعمة للحوار والأمن والسلم والعيش المشترك، والتي تجد سندها في اجتهادات القضاء الدولي وفي الاجتهاد الفقهي الدولي الرصين، فإن مسالة الإساءة إلى الأديان، كل الأديان، ما زالت للأسف متواصلة، وتظهر بين الفينة والاخرة لتشغل بال الرأي العام العالمي وتثير المشاعر وتحرك الأحقاد، مما يستلزم التفكير في إيجاد حلول لوضع حد لهذه الظاهرة التي تزداد حدة وقوة من حين لآخر.

في دراسة علمية ومرجعية أعدتها “الإيسيسكو” حول “المضامين الإعلامية الغربية حول الإسلام في ضوء القانون الدولي”، تم تقديم مقترحات حول سبل حماية الحرية الدينية والحد من ظاهرة الإساءة للدين الإسلامي ورموزه المقدسة، حيث تم الـتأكيد على أن الأمر يتطلب وضع اتفاقية دولية تحرم وتجرم الإساءة إلى الأديان، كل الأديان السماوية، مع الأخذ في الاعتبار أن الخوض في الإساءة إليها بواسطة وسائل الإعلام من الأمور المقيدة لهذه الحرية. ويجد تبرير هذا المنع أسسه في المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وبالخصوص الفقرة الثالثة منه، كما يجد أسسه في المادة 20 من العهد نفسه، وفي اتفاقيات وإعلانات أخرى، أهمها “الاتفاقية الدولية للقضاء على جريمة الفصل العنصري وقمعها” لسنة 1973، بالإضافة إلى مختلف وثائق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وأيضا إعلان سنة 1981 بشأن “القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد”. وأشارت هذه الدراسة إلى أن هذه الأسس أدت إلى وضع اتفاقية دولية لحماية الأديان من التشويه والإساءة، مما جعل بعض الدول تتأثر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 2011، فصارت تكيف قوانينها الداخلية مع هذا القرار، وإن كان ذلك بخجل شديد، خاصة بعدما طالبت الجمعية العامة الأمين العام بتقديم حصيلة تأثير قرارها سالف الذكر على واقع تشريعات الدول الأعضاء. وأكدت الدراسة أن مسألة وضع قانون دولي ملزم، يتم بموجبه احترام الأديان ومنع “التجديف”، أمر ضروري وملح في ظل الواقع الدولي الحالي، حيث تنتشر وسائل الإعلام ويتم تسخيرها للكراهية الدينية والعنصرية. ويتعين على هذا القانون أن يميز بين حرية الرأي والتعبير من جهة، والإساءة إلى الأديان واعتبارها بمثابة مساس بحقوق الإنسان، من جهة ثانية.

خلاصة القول أن تكرار الإساءة للأديان، وخاصة الدين الإسلامي، في بعض الدول الأوروبية، منها السويد والدانمارك وهولندا، من خلال الاعتداء على دور العبادة وحرق النصوص الدينية، يطرح تحديات جمة على المسلمين وغير المسلمين بشكل عام وعلى المجتمع الدولي، من حكومات ومنظمات ومؤسسات مدنية ودينية. كما يتيح على الأقل ثلاثة اختيارات :

الاختيار الأول: هو اختيار الحكماء والعقلاء ومحبي السلام والعيش المشترك، ويتمثل في تعزيز العمل الديبلوماسي والبرلماني والسياسي والحقوقي والقانوني والثقافي والفكري في التواصل الحضاري والمستدام وفق مبادرات مبتكرة ومتكاملة ومندمجة داخل المجتمعات الغربية للضغط عليها وإقناعها بضرورة سن تشريعات وقوانين تمنع الإساءة إلى الأديان ورموزها المقدسة، وتربية أطفالها وشبابها على احترام الآخر والتعايش معه في إطار قيم المواطنة واحترام القوانين المحلية والالتزام بمبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا. وهذا برنامج عمل يلزم أن تقوم به جهات الاختصاص في دول العالم الإسلامي وسفاراتها في الدول الغربية، بالتعاون والتشارك مع منظمة التعاون الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، ومنظمة “الإيسيسكو”، كل في مجال تخصصه وفي إطار لجنة عليا مشتركة.

الاختيار الثاني: هو اختيار مهم وضروري، لكنه غير كاف ولا يدافع عن البعد الحضاري والعالمي للقيم الإسلامية، ويتمثل في تجاهل الأفعال المسيئة للدين الإسلامي ورموزه المقدسة، وعدم الاهتمام بها، ودعوة المسلمين إلى عدم الانسياق مع أهدافها الاستفزازية، والالتزام بتنفيذ التعاليم الإسلامية، وتربية الأجيال على ذلك لترسيخها في نفوسهم على اعتبار أن ذلك هو أفضل حماية لهم وأنفع أسلوب لتحصينهم من ردود الفعل المتهورة.

الاختيار الثالث: هو أخطر الاختيارات، ويمثل الهدف الأساس لمروجي خطاب الكراهية أو المتساهلين مع الإساءة للأديان، حيث يفتح المجال واسعا ويشكل فرصة سانحة للأفعال وردود الأفعال من خلال اعتماد أسلوب العنف والتطرف والغلو والإرهاب، وتوفير المبررات للجماعات المتطرفة وأحزاب اليمين المتطرف لتنفيذ مخططاتها السياسية، وترويج أطروحاتها الفكرية الهادفة إلى سفك الدماء، ونشر الدمار والرعب والخوف، وتهديد الأمن والسلم العالميين، ونسف جهود التنمية ومساعي الوئام والعيش المشترك.

[ad_2]