خفوت الاحتجاج في الشارع المغربي.. ضعف التعبئة وتشرذم الجسم الحقوقي

مجتمع

[ad_1]

يحظى موضوع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بحيز كبير من الآراء التي يعبر عنها المغاربة في مواقع التواصل الاجتماعي، منذ الارتفاع غير المسبوق لأسعار المحروقات، وما تلاه من ارتفاع أغلب المواد، وصولا إلى الارتفاع الصاروخي لأسعار الخضر واللحوم خلال الآونة الأخيرة.

ومقابل “الاحتجاج الافتراضي” الواسع الذي يتم التعبير عنه في مواقع التواصل الاجتماعي من طرف المغاربة، تشهد الوقفات الاحتجاجية ضد الغلاء في الميدان حضورا قليلا، لم يتعد في بعضها بضع عشرات أشخاص، أغلبهم من النشطاء الحقوقيين، بينما يكتفي المواطنون العابرون بمتابعتها عن بُعد أو المرور دون اهتمام.

حرمان من وسائل التعبئة

“هادشي قليل”، يقول فاعل حقوقي واكب معظم الوقفات الاحتجاجية التي خيضت في الرباط، بصوت خافت، معلّقا على العدد القليل من المشاركين في الوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها الجبهة الاجتماعية بالرباط، بمناسبة تخليد ذكرى 20 فبراير، وكان غلاء الأسعار محورها الرئيسي، بينما قالت ناشطة حقوقية، بعد نهاية الوقفة: “اللهم هادشي ولا والو”.

فهل تعكس قلّة حضور المواطنات والمواطنين في الوقفات الاحتجاجية ضدّ الغلاء، في “العالم الواقعي”، في الوقت الذي يرتفع فيه التعبير عن الغضب في العالم الافتراضي، ضعف قدرة النقابات والجمعيات الحقوقية على التعبئة والحشد؟ أم تعكس لا مبالاة المواطنين؟

خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تُجيب عن السؤالين معا بالنفي، إذ ترى أن المغاربة يعبّرون عن غضبهم من الارتفاع الفاحش للأسعار في مختلف مناطق المغرب، “ولو نُظمت مسيرة وطنية في الرباط لكان الحضور كبيرا”، على حد تعبيرها.

وعزت الرياضي، سبب ضعف الحضور، إلى كونها “وقفة رمزية، ولكن هذا لا ينفي وجود غضب عام عارم”.

سبب آخر ترى الرياضي أنه يساهم بشكل كبير في عدم حضور المواطنين بكثافة في الوقفات الاحتجاجية التي تدعو إليها الجمعيات الحقوقية، يتعلق بحرمان الأخيرة من وسائل التعبئة “التي يجب أن تكون من حقنا”، مضيفة: “التلفزيون محرم علينا، ولا نُستدعى إلى البرامج التلفزيونية”.

تشرذم الجسم الحقوقي والنقابي

عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، اعتبر أن “هناك بالفعل خفوتا كبيرا للاحتجاج في الشارع رغم أن مبرراته باتت أكبر من ذي قبل، مثل غلاء الأسعار واستشراء الفساد والظلم الذي يتعرض له المواطنون مع بعض ممثلي السلطات العمومية ومؤسسات إنفاذ القانون، وغيرها…”.

وفي تقدير الخضري، فإن خفوت الاحتجاج في الشارع يعود إلى مجموعة من الأسباب، أوّلها أن الاحتجاج “أصبح يجابه بالقمع والمتابعة القضائية بمبرر عدم الترخيص لأصحابه”، مضيفا: “يمكن اعتبار ما تعرض له نشطاء أحداث الحسيمة من متابعات جنائية منعطفا كبيرا في هذا الاتجاه”.

وأبرز الفاعل الحقوقي ذاته، في تصريح لانزي بريس، أن جائحة كورونا كانت بمثابة “هدية من السماء لفائدة المقاربة الأمنية في التعاطي مع الاحتجاجات، حيث ثم تسجيل متابعات وتوقيفات في حق محتجين في مدن وقرى عديدة بمبرر خرق قانون الطوارئ”.

التوجّه نحو تشديد “القبضة الأمنية” في التصدي للفعل الاحتجاجي، كان مثار تخوّفات الجمعيات والمنظمات الحقوقية خلال انتشار جائحة كورونا، إذ مُنعت أغلب الوقفات الاحتجاجية بداعي استمرار خطر الجائحة، غير أن المنع لا يزال مستمرا بعد زوالها، حيث مَنعت السلطات وقفات احتجاجية ضدّ ارتفاع الأسعار في عدد من المدن نهاية الأسبوع الماضي.

وبخصوص مسؤولية الهيئات الحقوقية والنقابية عن خفوت الاحتجاج في الشارع، قال عبد الإله الخضري: “لا بد بداية أن نعترف بأن ثمة حالة من البلقنة يعرفها المشهد الحقوقي المغربي، حيث تعرض للتضخم والانتفاخ، وانبثقت منه ظواهر شاذة تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، جاهلة بروح حقوق الإنسان وبقواعده ومبادئه، مما أضعف من شوكته وفاقم من أزمة الثقة وجعله يعيش على إيقاع التشرذم بسبب غياب وحدة المرجع والموضوع والأهداف، وبالتالي باءت كل محاولات قيادة الفعل الحقوقي بالفشل وتعرضت لما يمكن أن نسميه بالتقاطب السلبي (polarisation passive)”.

ونبّه إلى أن ظاهرة مواقع التواصل وانتقال التعبير من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي وإعلام الشارع، “خلقت رؤية جديدة في التعاطي مع معاناة المواطنين، نافست بقوة العمل الحقوقي المنظم، وهي ظاهرة ما زالت في بداياتها على كل حال، بحيث أصبح الإنترنت بوثقة للوعي والإدراك، وللتعبير والاحتجاج، الفردي والجماعي، وإن طغت عليه سلوكيات شاذة ومقرفة، نفثت من خلالها سموم وشظايا المجتمع ومفارقاته”.

وبالرغم من السلبيات التي تشوب التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان يرى أن هناك “بوادر تحول مجتمعي هائل على المدى المنظور، من شأنه أن يغير المعادلة بشكل دراماتيكي، قد يعطي بديلا أخطر بكثير من الاحتجاج التقليدي في الشارع”.

وختم بالقول: “الأمر يتعلق بتحولات مجتمعية هائلة لن تتجاوز المناهج التقليدية في الاحتجاج والغضب من سياسات خاطئة فقط، بل ستشهد تغييرا كبيرا في كل جوانب الحياة المجتمعية”.

في هذا الإطار، اعتبرت خديجة الرياضي، بدورها، أن قمع المحتجين في الشارع “قد يكون عاملا مؤثرا لفائدة السلطة، ولكنه قد لا يكون كذلك في المستقبل”، موردة أن “الدولة تخاطر بقمع المحتجين، لأن أشكال الاحتجاج تتطور، وقد تتبلور أشكال احتجاجية لا يعرف أحد تبعاتها”.

[ad_2]