انزي بريس
. . .السياسيون، مثل جل النساء، لا يحبون سماع سوى ما يرضيهم، والصحافة موجودة لتسمعهم ما لا يرضيهم،
وإليكم بعضا مما لا يحب السياسيون ورجال السلطة سماعه.
هذا الأسبوع جرى انتخاب ستة أعضاء في البرلمان بمجلسيه لشغل منصب قاض في المحكمة الدستورية، وهذا مقتضى دستوري لا اعتراض عليه، لكن وجه الاستعراض والاستهجان أن الأحزاب جميعها، في الأغلبية والمعارضة، اجتمعت على “ضلال واحد”،
ورشحت فقط أبناءها للمحكمة الدستورية دون غيرهم، بغض النظر عن كفاءتهم القانونية، ودرايتهم المهنية، وقوة شخصياتهم، وقدرتهم على شغل هذا المنصب الكبير. لا أطعن في أحد، لكني أستغرب كيف لم يقدم أي حزب شخصيات مستقلة عن أجهزته الحزبية، وكأننا إزاء اقتسام للوزيعة ولسنا بصدد البحث عن الرجل المناسب في المكان المناسب، قلت الرجل ولم آت على ذكر المرأة، لأن أحزابنا، من اليمين إلى اليسار مرورا بالوسط، لم تعثر كلها على امرأة داخلها لشغل كرسي في المحكمة الدستورية، وطبعا هذه الأحزاب لا ترى من هم أو هن خارجها… هذا درس سيئ قدمته الأحزاب الممثلة في البرلمان بغرفتيه، وأعطت الدليل الملموس على أن المعيار لديها هو الولاء الحزبي وليس الكفاءة والاستحقاق والنزاهة، وهذا يؤشر على عطبين أساسيين في البنية الحزبية بالمغرب؛ أولهما أن الأحزاب علب سردين مغلقة تكافئ أعضاءها بمناصب لا يستحقونها، وتستحضر مصلحة التنظيم لا مصلحة البلاد. ثانيا، هذه الأحزاب لا تؤمن باستقلالية القضاء الدستوري خاصة، وتريد أن تضع رجلها هناك لكي يحمي ظهرها، رغم أن القانون يطلب من الأعضاء الاستقالة من الحزب والتزام الحياد، فلو اقتنعت الأحزاب حقا بأن هذه الشخصيات ستقطع علاقتها، من يوم دخولها إلى المجلس الدستوري، بالحزب وشؤونه وملفاته، لفكرت في ترشيح شخصيات مستقلة أولى بهذا المنصب من جل المتحزبين الذين يفتقرون إلى الكفاءة والخبرة. الآن ينتظر المراقبون اللائحة الملكية وما ستحمله من أسماء، مادام الظن خاب في مجلسي النواب والمستشارين.
الخبر السيئ الثاني هو أن وزارة الداخلية، وبعد تماطل دام عدة أشهر، لم تنشر نتائج الانتخابات الجماعية كاملة، ولم تعط المواطن والباحث والمهتم عدد الأصوات التي حصل عليها كل حزب، وتوزيعها الجغرافي محليا وجهويا ووطنيا. فما نشر من معطيات خام، بالطريقة التي جاءت في الموقع الرسمي للوزارة، يتطلب سنة من الاشتغال لتفكيك طلاسم هذه النتائج، ليعرف الإنسان الخريطة السياسية وتوزيع الأصوات.
بعد تسعة أشهر من المطالبة والاحتجاج، وحتى التشهير بوزارة الداخلية، وفي الأخير تنشر نتائج ناقصة بهذا الشكل.. هذا وضع لا يشرف هذه الحكومة ولا يليق بمغرب الدستور الجديد.
الخبر السيئ الثالث أن والي الرباط نصب نفسه حاكما بأمره، وطالب المحكمة الإدارية بعزل منتخب بتهمة “الصمت”. لحسن الحظ المحكمة الإدارية بالرباط رفضت هذه الدعوى القضائية الغريبة، التي رفعها عبد الواحد لفتيت ضد مواطن منتخب في مقاطعة حسان اسمه محمد إدبريك، من العدالة والتنمية، يطالب فيها بعزل المنتخب بتهمة الحضور ضمن جمع عام لجمعية الباعة الجائلين في العكاري. “وحتى وإن لم يتحدث السيد عضو مقاطعة حسان في الاجتماع -تقول شكاية الوالي – فإنه صمت، نعم صمت في نشاط يشجع الباعة الجائلين على الاستيلاء على الملك العمومي، واستغلاله بدون سند قانوني، ومواجهة السلطات”. هذه هي التهم التي كتبها الوالي لفتيت في دعاواه، وكلف المحامي زهراش بتقديمها إلى القضاء الإداري على وجه الاستعجال لعزل مستشار منتخب. لحسن الحظ أن في القضاء الإداري قضاة عقلاء رفضوا طلب الوالي، ولو لأسباب شكلية، لكن لنتحدث نحن في الموضوع؛ أولا، الوالي لا يعطيه القانون حق طلب عزل عضو في المقاطعة، بل القانون يعطيه فقط الحق في طلب عزل عضو في المجلس الجماعي، وليس في مجلس المقاطعة. ثانيا، المستشار المسكين حضر جمعا عاما لجمعية قانونية مرخص لها، وإذا كان السيد لفتيت على علم بأن هذه الجمعية تمارس نشاطا محظورا، فعليه أن يحلها، وأن يمنع عقد اجتماعاتها، وقد كان ممثله حاضرا في الاجتماع، وهو من جاءه بالخبر. ثالثا، السيد الوالي (قالوا له هل تعرف العلم قال أعرف الزيادة فيه) هو لا يؤاخذ المنتخب بما قاله، بل يؤاخذه بصمته، والفقهاء قالوا قديما “لا ينسب إلى ساكت قول”، فكيف عرف سيادة الوالي أن محمد إدبريك يؤيد ما سمعه أو يستنكره في قلبه؟ السكوت علامات الرضى فقط في الزواج وبالنسبة إلى الفتاة العذراء التي تستحيي أمام العدول في الكلام، فحتى العروس الثيب، أي التي سبق لها الزواج ببناء ودون بناء، لا يحق للقاضي أن يعتبر صمتها علامة من علامات الرضى، فما بالك بمواطن ومنتخب وعضو في حزب يسير الحكومة… هكذا أخرجنا الوالي لفتيت من باب السياسة وأدخلنا إلى باب فقه النكاح وشروط القبول والإيجاب (القبول بالفتحة منعا لكل التباس)، ولا حول ولا قوة إلا بالله.