الواح سوس .. او حين يتصالح الفقه الاسلامي والعرف الامازيغي (1) | انزي بريس

اكادير والجهة

[ad_1]

انزي بريس | Anzipress

 

 

الالواح و ءينفلاس سلطة سياسية ووظيفة دينية

 

1-الالواح هي قوانين وقواعد واحكام خاصة بالقبيلة او مجموعة من القبائل المتحالفة و غير المتحالفة تنظم تسيير شؤون افرادها وتحفظ نظامها وكان اهل سوس يقدسونها اكثر من تقديس القانون العصري، يتحاكمون اليها لفض نزاعاتهم وخصوماتهم وفي كثير منها تجدها متطابقة مع التشريعات الاسلامية حتى ان السلطان الحسن الاول اقر بأعراف قبائل جزولة بسوس(بعد ان وثق ان تلك الالواح لا تحتوي على اي شيء يناقض مبادئ القرءان لذا سمح بتطبيقها) – المكي الناصري.

يقول الاستاذ امحمد العثماني في وصف هذه الالواح السوسية (توافر في الالواح ما توافر في القوانين العصرية الحديثة من قواعد عامة سليمة المغزى ومن مثل ديموقراطية عليا بل سبقتها اليها كما صينت بها الكليات الخمس التي تامر بصيانتها جميع الشرائع).

ومن اشهر الالواح المعروفة عند القبائل الامازيغية والسوسية خصوصا الواح جزولة- الواح ماسة- الواح افران الاطلس الصغير- الواح اكونكا- الواح ايت ويزلن- الواح سيصيض.. وتسمى عند قبائل امازيغية اخرى بمسميات منها (ءازرف)–(تيعقدين).. وهي كلها عقود واوفاق يشارك فقهاء واعيان القبائل في كتابتها يدونون فيها مجموع التقاليد والاعراف والقواعد السلوكية التي يجب ان تتحكم في علاقات الافراد والجماعات، فالعقد او اللوح العرفي هو وثيقة تقوم بدور التحكيم والقضاء في النزاعات والمخالفات وكأنها “مدونة قوانين” تجمع بين قانون الاحوال الشخصية والقانون الجنائي مما يدل ان القبائل في سوس اشبه بجمهوريات ديموقراطية مصغرة كما نعتها بذلك روبير مونطاني.

يقول الاستاذ الفقيه امحمد العثماني ان قبائل جزولة تضع مقاليد امورها بيد جماعة لا بيد فرد لكي لا يستبد او يستغل الشخص المسؤولية لمصلحته او عشيرته واعضاء هذه الجماعة المكلفة بوضع الاوفاق والالواح يتشكلون من الاعيان والوجهاء والفقهاء ويسمون بأسماء منها:

ءينفلاس–ءيمغارن–ءيكبارن–ايت ربعين– ءيكرامن – ءيمساين- واسماء اخرى هي  الضوامن والعرفاء والفقهاء.. وكل هؤلاء لا تعلو سلطتهم سلطة زمنية اخرى في قبائلهم وجماعاتهم لكونهم اما انهم يملكون سلطة رمزية او سلطة تمثيلية عن طريق انتخابات داخل عشيرتهم تسمح لهم بتنزيل وتنفيد العرف. ولقد ذكر امحمد العثماني في كتابه ان     (العضو المنتخب لا مناص من ان يتعهد ويلتزم بتطبيق قوانين اللوح دون محاباة ولا تحريف فان ارتكب مخالفة ما يعاقب بما رات به الجماعة واقرته في لوحها) اما قضايا مجلس الشرع فلا يبث فيها مجلس ءينفلاس او ايت ربعين(ما لله لله وما لقيصر لقيصر).

2-“ءينفلاس” هي لفظة امازيغية مفردها (ءانفلوس) وهي من صيغة المذكر وليس لها مقابل في المؤنث كما انها كلمة شائعة في جنوب المغرب و بالأخص في منطقة سوس و نجدها متداولة عند( التوارك) وتعني لغويا :

  • الشخص الواثق من نفسه ومن كفاءاته او الحامل لصفات الاهلية الاخلاقية.
  • الشخص الذي يثق به الناس في اقواله وافعاله او الشخص الذي يوحي بالثقة.

وصيغت كلمة (ءانفلوس) من الجذر اللغوي( ف ل س) وتعني نوعا من انواع الايمان او شكلا من اشكال الثقة كالإيمان بالله والثقة به او الايمان بالشخص وكفاءته او ما شابه (DICTIONNAIRE DE FOUCAUTL – P 328).

لقد تعرض هذا اللفظ لانزياح لغوي وانحرف عن معناه المألوف وشحن بمعاني جديدة نظرا لتطور النظام الاجتماعي والمؤسساتي للقبيلة حتى اصبحت هذه الكلمة تستعمل بكثرة للدلالة على:

– الرجل المنصف العادل في افعاله واحكامه والعارف بتقاليد مجتمعه وجماعته.

– الرجل الخبير بشؤون الحياة والمجتمع ثم القوي القادر على فرض النظام.

– الرجل المكتسب لثقة القبيلة والمنتخب من اسيادها قصد فرض النظام والقوانين العرفية.

ال” ءينفلاس” يساعدون على استمرار كيان القبيلة وقوانينها العرفية فهم يحمون القانون الطبيعي للقبيلة ويحافظون على امن وسلامة الساكنة ومراعيها واسواقها ومزاراتها وانهم يدونون نظامها و”دستورها” في الواح يحتفظون بها في القلاع والحصون.

هذه الالواح او العقود لا تدون في السر والخفاء ولا تدون في غياب الافراد والجماعات وانما يتم الاعلان والتشهير باليوم الذي سيكتب فيه اللوح والمكان المخصص للاجتماع واسماء الافراد كشهود على تدوين العرف في اللوح اما الاشخاص المعنيين بكتابة اللوح فهم ءينفلاس (ايت ربعين) و (ءيمغارن) و (ءيكرامن) و (فقيه المدرسة ) و(امام المسجد او الزاوية) وقد يكون بينهم العدول. واثناء كتابة العرف او اللوح تترد في ديباجته وموضوعه كلمات  وعبارات من مثل:

-الحمد لله وحده ولا يدوم الا ملكه وصلى الله على سيدنا محمد واله وصحبه وسلم تسليما وبعد،

– فقد اتفق …اعني اهل الحل والعقد من شرفائهم ومرابطيهم والطلبة وغيرهم عموما وخصوصا على مصالح بلادهم ومصالحهم….

– (او) فقد اتفقت قبيلة (..) اجمع من غير تخصيص سدد الله رايهم واصلحهم واصلح بهم وجمع شملهم على …

– (او) اتفقت ورضيت قبيلتنا (..) عامتهم وخاصتهم وطلبتهم وفقرائهم ..هذا العرف بينهم كلهم برضاهم ورضى شيوخهم بأمرهم من غير اكراه لواحد منهم …

ومن عادة القبائل او الجماعات حين تنتهي من كتابة الالواح والاوفاق العرفية ان تقرا وتتلى على الملتزمين بها في جمع عام يحضره الرجال والنساء وتشرح البنود والقوانين العرفية شرحا مفصلا باللهجة المحلية (تاشلحيث) ولا يستطيع اي فرد كيفما كان موقعه ونفوذه ان يعدل جزءا يسيرا من نص الالواح او الاوفاق كما لا يستطيع اي كان ان يكذب الاتفاق او يفنده امام المجموعات الاخرى.

وبعد وضع التاريخ والاشهاد و توقيع الشهود يتم ايداع الالواح والاوفاق عند امين الحصن (اكادير) الذي يختار مكانا امنا وسريا لا يعلمه الا هو وفي غياب الحصن يتم اللجوء الى فقيه المدرسة الدينية او امام المسجد او احد شرفاء الزاوية (ءيكرامن) او يتم كتابة نسخ عديدة بعدد ءينفلاس ليكون عند كل واحد منهم نسخته ولا يتم استخراجه للاطلاع عليه الا بحضور الجماعة اذا ما حدثت نازلة تقتضي ذلك.

وفي الحصن الذي يوضع فيه اللوح توجد ابراج للحراسة ومسجد للصلاة وبيت لحفظ اثاث الحصن وقاعة لاجتماع ءينفلاس وصهريج لحفظ المياه ولا يكون له الا طريق واحد تسلكه الدواب والراجلون. والحصن يؤمن للناس ممتلكاتهم المادية والرمزية.

الواح سوس ديوان الحكم  لدفع المظالم عن الناس وتحقيق العدالة الطبيعية والاجتماعية   

للألواح قيمة تاريخية واجتماعية وسياسية وثقافية وهي اشبه بديوان جامع للعلوم والفنون والآداب والتقاليد والاعراف والقواعد السلوكية الموجودة والمتداولة في بوادي وحواضر سوس. دونت نصوصها باللسان الشلحى من فقه ومواريث وتوحيد ونحو ومواعظ ومدائح وزواج وبيع وشراء ووضعت لتتحكم في علاقات الافراد والجماعات فاللوح العرفي وثيقة تقوم بدور التحكيم والقضاء في النزاعات والمخالفات وكأنها مدونة قوانين تجمع بين قانون الاحوال الشخصية والقانون الجنائي مما يدل ان القبائل في سوس تعيش في ظل قوانين عادلة تخلق الانسجام والمساواة بين كل الافراد وكأنها ديموقراطية بالمفهوم الاغريقي.

ان جميع الالواح المتداولة في جزولة او في قبائل سوس قد غطت على كل الملامح الاجتماعية في ارض جزولة من كيفية تكوين الاسرة في ظل احكام الشريعة وقوانين العرف الامازيغي المحلي ودور المرأة السوسية الجزولية في الحياة العائلية ودور العلماء ونظام القضاء وطرائق الفصل في الخصومات لذا استطاعت هذه الالواح تكييف الاحكام الشرعية مع قوانين العرفية للقبيلة واختصر عدد من الباحثين اصنافها في خمسة :

الواح المساجد والزوايا.

الواح الاسواق والمواسم.

الواح الحصون الدفاعية.

الواح القبائل المتحالفة.

الواح القبائل غير المتحالفة.

في حين راي الفقيه امحمد العثماني ان يختصرها في ثلاثة انواع وهي :

-النوع الاول وهو اللوح الذي ينظم مرفقا من المرافق داخل القبيلة كتنظيم الاسواق الاسبوعية التي تتسوقها القبائل المتحالفة او غير المتحالفة والتنظيم يشمل الحراسة والجباية وقوانين البيع والشراء ومحاربة الغش في البضائع والمواد الاستهلاكية.

اما الاسواق الموسمية فتنظيمها يقام غالبا بجوار اضرحة الاولياء والشرفاء وتشمل تنظيم الزيارات واستقبال الهدايا وتقديم الاطعمة والاغذية للزوار وللمتبركين.

ومن الالواح من يختص في تنظيم كيفية التطوع في اصلاح وترصيص الطرق عبر المشاركة الجماعية لكل افراد القبيلة مع تكليف شبان وفرسان القبيلة لشغل مهام امن الطرق وحماية القوافل التي تستخدم هذه الطرق في اتجاه المراكز القروية او الحضرية (قوافل الجمال والبغال).

كما ان الواحا اخرى من هذا الصنف تحتوي اعرافا وقوانين عن كيفية التعامل مع قاطني الاحياء السكنية من اليهود (الملاح) او كيفية رعاية المساجد والزوايا والاضرحة.

اما تنظيم الري والسقي بين الفلاحين فان القبائل السوسية اقامت تنظيما هيكليا للأشخاص المسؤولين على توزيع الماء باستعمال الة (تاناست)، ويسمى الشخص الذي يستعمل هذه الالة ب(الترجمان) او (الترشمان) من الرجم او الرشم اي وضع العلامات الدالة على عدد (تاناسين) –وهي الطاسات المخصصة لكل مستفيد- حسب الامكانات الموجودة من المياه. وتوكل – كما في اوفاق اكلو- لكل افراد العشيرة صيانة السواقي وحمايتها من الاتلاف والتخريب وتتم هذه العملية بالتناوب بين الافراد او بين الاسر.

وعن حراسة الغلات والثمار وجنيها- خصوصا في فصل الصيف- فان الاعراف القبلية تفرض تكليف مجموعة من الافراد اوالاسر بحراسة الغلات المسقية اما من الحيوانات المتوحشة (الخنازير البرية- الذئاب..)او من الغرباء او الناكثين للاوفاق والعقود والالواح.

-النوع الثاني هو اللوح الذي ينظم علاقة التحالف والمصالح بين القبائل، هذه الاخيرة لها مؤسساتها السياسية اي الحكومات المحلية المنتخبة التي تستحوذ على كل اشكال السلط من السلطة الدنيا الى العليا ومنها( حماية حقوق الافراد والازواج – قضايا الاحوال الشخصية-الارث- الجنايات والمشكلات المدنية.. الحفاظ على السلم داخل القبيلة اوبين القبائل) وفي مثل هذه المجتمعات القبلية فان السيطرة على القوة ليست بعيدة عن متناول الناس لان القبائل كما قال (هوبر) تظهر وتعيش في حالة الحرب وهي حالة قاتلة ان لم تتم السيطرة عليها، لذا لا تجد القبائل بدا من ان تجند كل مؤسساتها العامة التي تملكها لمجابهة التهديد بالحرب بسبب افتقارها للمؤسسات المتخصصة في اعلاء كلمة القانون واحلال الاستقرار وهكذا تلجا بعض القبائل الى تجنيد القرابة وكرامات “ءيكرامن” لإقامة نوع من التحالف المصلحي ( تحالف تكتيكي) للحفاظ على المصالح الاقتصادية والسياسية (المراعي – الاسواق – عيون ومجاري المياه- الطرق الاستراتيجية..)ويكون بينها عهدا يدون ويكتب في الالواح والاوفاق يتم تلاوتها وقراءتها على جميع افراد القبائل المتحالفة او المتصالحة بحضور شهود من الفقهاء والاشراف والشيوخ واسياد القبائل من ءينفلاس (ايت ربعين).

النوع الثالث وهو اللوح الذي ينظم حياة قبيلة ما في مختلف جوانبها كالملكية المشتركة للأرض واستغلال المراعي وتقسيم المياه والدفاع عن حدود القبيلة، ومن بين الاعراف المنظمة للسقي والمتضمنة في قوانين مكتوبة لوح او عرف العوينة وتزنيت الذي جاء في بعض تفاصيله :

  • ان من فاتته حصته من الماء في موعدها، فانه يستدركها في نفس الدورة السقوية من اثنين وعشرين او ثلاثة وعشرين يوما.
  • ان كل من لم يستغل حصته من الماء في وقتها خلال الدورة السقوية فان هذه الحصة تسقط ولا يستدركها في دورة اخرى.
  • يعتبر مقدار الماء المستنزف في “اكطوم” (وهي القناة الفرعية التي تصل حقل صاحب الحصة) من ضمن حصة الفلاح التي تبدا حصته منذ خروج الماء من المجرى الاصلي للساقية.
  • تحضر الجماعة في اول شهر يوليوز الفلاحي من كل سنة لمراقبة الة توزيع الماء (تاناست)

وفي الواح قبيلة اخرى تتحدد واجبات الافراد تجاه القبيلة وتجاه مؤسساتها التقليدية مع الانصياع التام لأعرافها وتقاليدها المتوارثة ومن جملة ما يجب على الفرد القيام به:

  • المشاركة في الاعمال الزراعية (تيويزي).
  • المشاركة في حماية وصيانة الملكية الجماعية للأرض.
  • الدفاع عن مصالح وممتلكات القبيلة.

كما ان الالواح تدون المخالفات الجنحية وما يترتب عنها من عقوبات وغرامات وهي تتراوح بين اداء اليمين واعطاء غرامة مالية تسمى (الانصاف) او (تانفكورت)وقد ينص فيها على استقبال ءينفلاس في ضيافة او على تخريب دار الجاني او مصادرة امواله او نفيه من ارض القبيلة.

ومقاصدها في الجملة هي توزيع منظم للخدمات واستغلال المجال الزراعي والرعوي وحفظ امن الاشخاص والممتلكات وقد لا يخلو تطبيقها من تجاوزات قد يستفيد منها القائمون وهم الشيوخ والاعيان و ءينفلاس.

ان الاعراف والتقاليد المكتوبة في كل الالواح والاوفاق كانت تدون من قبل الفقهاء الساهرين على تطبيق الشرع الاسلامي مع استثناءات قليلة، وان تحريرهم لهذه الالواح هو لإزاحة كل ما لا يوافق الشرع والحق وفي بعض الاحيان يرد في اللوح نصح من الفقيه الى ءينفلاس المنفذين للألواح كما ورد في لوح ايت ودريم

(انظر الواح جزولة والتشريع الاسلامي – م. العثماني ص236)

وتشمل الالواح السوسية اجراءات تنفيذ العقوبات وبخاصة تلك التي تمس شرف الانسان او ماله او بدنه او تعرض الامن الداخلي او الخارجي للخطر. ورغم تعدد هذه الالواح بتعدد قبائل جزولة الا انها كانت متناسقة وغير متضاربة فيما بينها مما يدل على استمدادها من مرجعية واحدة.

ومن سمات هذه الالواح انها مرنة وليست جامدة بمعنى انه كان من الممكن تعديلها او حتى الغاؤها باتفاق ال “ءينفلاس” (الاعيان) واجماعهم وقد درج الجزوليون على الاحتفاظ بتلك الالواح لذى اكبر الاعيان سنا او في خزانة المسجد او المدرسة او الحصن ويرجع العثماني سبب تسميتها بالألواح انها مستمدة من قوله تعالى (وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء) الاعراف 145

ومن قوله تعالى ( ولما سكت عن موسى الغضب اخذ الالواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) الاعراف 154

وقيل ان الالواح كانت تطلق على عقود الالتزامات في اللسان الشلحى القديم وقيل ايضا انها قد تكون مأخوذة من الرومانيين الذين سموا قانونهم باسم (قانون الالواح الاثني عشر)والثابت انها قديمة قدم الوجود في المجتمع الجزولي.

واقدم الواح جزولة هو (لوح حصن اكادير) المؤرخ في سنة 1498م/904ه

ذ. محمد بادرة

[ad_2]