أثار حجم حروف “تيفيناغ” في الحافلات العمومية بكلّ من الرباط وفاس ووجدة امتعاض وغضب فعاليّات أمازيغيّة، وسط مطالب بصبّ المزيد من الاهتمام حول الجانب الشّكلي المتعلق بظهور اللغة الأمازيغيّة في مختلف الملصقات، بغاية تعزيز هويّتها البصريّة في أفق المغاربة.
ويتعلّق أصل الإشكال بكون حافلات النّقل العموميّ وسط العاصمة الرباط، ومعها فاس ووجدة، وضعت حروف “تيفيناغ” بحجم صغير وغير مرئي جيدا، بالمقارنة مع العربيّة والفرنسيّة، كما تضمنت أيضا أخطاء في الكتابة، ما جعل الفاعلين الأمازيغ يعتبرون ذلك “استخفافاً بلغة الأجداد”.
“تهميش غير مقبول”
عبد الله بادو، رئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، قال: “إنّ التنديد بهذا التهميش الذي يطال الأمازيغية في وسائل النقل العمومي، بفاس ووجدة والرباط، عبر وضعها وسط الفرنسية والعربية، يدخل في باب الترافع الذي لن نتخلى عنه لإنصاف الثقافة واللغة الأمازيغيتين، في كافة المجالات والأصعدة”.
وسجل بادو، في تصريح لجريدة اكاديري، أنّ “هذا التهميش الشّكلي لا ينبغي أن نعتبره مسألة عادية، لكونه يعكس، في العمق، حجم الأمازيغيّة في السّياسات العموميّة”، مشيرا إلى أنّ “ثقافة ‘إيمازيغن’ ظلت على الدّوام تعاني من الإقصاء ومن التمييز اللغوي الذي استمر لعقود طويلة ببلدنا”.
وشدد الفاعل الأمازيغيّ ذاته على أنّ “حروف تيفناغ مازالت تشكو من خصاص في الظّهور في العديد من اليافطات، بما فيها الرسمية، وأيضا في ‘لوغوات’ العديد من المؤسسات العمومية”، مبرزاً أنّ “هذه الأخطاء تعرقل مسار التنزيل السليم لتفعيل الطابع الرّسمي للأمازيغيّة، التي إلى اليوم مازالت حروفها في العديد من الفضاءات غير مرئيّة”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أنّ هذا “التحجيم الذي حدث بصريًّا وشكليًّا في الحافلات العمومية يظهرُ نوعا من الاستخفاف، وكأن الجهات المسؤولة تضعها على مضض أو مغازلةً فقط”، موضحاً أنّ “هذا التعامل بالذات يجب أن يتغير عبر تصحيح الكثير من المغالطات التاريخية، ومن خلال التأكيد الدائم على أنّ الأمازيغية لغة رسمية بالمغرب، وليست لغة ثانوية أو هامشيّة أو من الدّرجة الثانية”.
وخلص بادو إلى القول إنّ “هذه الأخطاء التي تواترت في الآونة الأخيرة توضح أنّ وضعَ الأمازيغية لا يخضع، في أحيان كثيرة، لمعايير تضبط المساواة بين اللّغتين الرّسميتين بالمغرب، التي ترجح أن تكون طريقة الكتابة وحجمها وتراتبيتها في الوضوح نفسه وبالشّكل ذاته من حيث الإخراج”، مستطرداً بأنّ “النّوايا الحسنة لا تكفي، وبما أن الأمازيغية ليست ترفاً فهذا يوجبُ الاستشارة من الفاعلين ومن المؤسّسات”.
“تمييز واحتقار”
من جانبه، اعتبر الفاعل الأمازيغي عبد الله بوشطارت أنّ “ما تعيشُه اللّغة الأمازيغيّة من احتقار وتمييز في الهوية البصريّة في عديد من واجهات المؤسسات العمومية والفضاءات العامة، وفي بعض المحطّات أو في التّشوير الطّرقي والحافلات وغيرها، ناتج عما تعيشه في السياسات العمومية للحكومة”.
الحكومة، حسب ما قاله بوشطارت لجريدة اكاديري، “مازالت متأخرة في النهوض بمقتضيات الشأن الأمازيغي، لكونها تتعامل مع الأمازيغية بمنطق دستور 1996″، وزاد موضحا: “بعد مرور حوالي 12 سنة من ترسيم اللغة الأمازيغية ظلت الحكومة تتحدث عن مراحل التفعيل وعن الآمال والوعود”، مبرزا أن “آخر ما قالته الحكومة الحالية إنها ستقوم بتعميم الأمازيغية في التعليم الابتدائي سنة 2030”.
وعبر المتحدث ذاته عن استغرابه ما وصفه بـ”التسويف الحكوميّ”، الذي يأتي “في وقت تتحدث الحكومة ذاتها عن تعميم تدريس الإنجليزية في السّنة المقبلة”، وتابع بأنّ “ما تم تسجيله هو أنّ الحكومة قامت بمحاصرة تدريس اللغة الأمازيغية في التعليم الابتدائي وقامت بإلغاء الأستاذ المتخصص في اللغة الأمازيغية ضمن أسلاك التوظيف داخل الوزارة. كما أن اللغة الأمازيغية منعدمة في المستوى الإعدادي والمستوى الثانوي”.
وذكر الناشط الأمازيغي ذاته أنّ “من معالم عدم الاهتمام بالأمازيغية كونها تُدرّس فقط في بعض المدارس الابتدائية المحدودة جدا، بينما تنعدم كليّا في قطاع التعليم الخاص، والأمر نفسه في الإعلام، حيث مازالت العربية الدارجة والفصحى والفرنسية هي اللغات التي تهيمن على الإعلام العمومي”، متسائلا: “كيف نريد للمجتمع أن يتصالح مع اللغة الأمازيغيّة ورموزها مادامت تعاني من الحصار داخل المؤسسات العمومية؟”.
لكلّ ذلك، اعتبر المتحدث أنه “من الطبيعيّ أن نسجّل هذا الازدراء في كتابة حروف ‘تيفيناغ’ في حافلات عمومية، بما أنّ التعامل مع الأمازيغية بنوع من التهميش مازال ساريا”، خاتما: “إنها تعاني من الهامشيّة رغم ترسيمها، ومن ثمّ لا يكفي الترسيم الدستوري للأمازيغية وحده، وإنما لا بد من وجود إرادة سياسية حقيقية للنهوض بها… وهذه الإرادة على ما يبدو غير متوفرة لدى الحكومة، إلى حدود اللحظة”.