بقلم : محمد مولود مازغ
الفساد بين الفهم والمفهوم
لكي نضع العقل على الطريق الصحيح ، للبحث عن اليقين . يقول الفيلسوف الفرنسي ديكارت=هدا اشبه بالشخص الدي لديه سلة تفاح، بعضه سليم ، وبعضه معطوب فاسد. فلا جوى من تقليب التفاح داخل السلة. لاخراج ما فيها من الفاسد .افضل طريقة ، لفرز السليم من الفاسد ، هو تفريغ كل ما في السلة من تفاح. ثم تنتقي التفاح السليم وتبعد الفاسد . وتكون بدلك على تقة ان جميع التفاح الدي اعدته الى السلة تفاح سليم …يبدو من خلال هده المقولة ان الفساد يصيب ما في الطبيعة ..كما يصيب الانسان في علاقاته، وتصوراته ،وافكاره.وايضا في عمله، وسلوكه وحياته…وكما تفسد الثمار.. يفسد الانسان..لكن كيف يمكننا ان ننظف سلة المجتمع من الفاسدين ؟ وكيف نفرغ السلة ..بل كيف نعرف الفاسد من السليم الصالح ؟ يبدو ان الحديث عن الفساد الدي يصيب المجتمعات ، لتحديده وسبر اغواره معرفيا من الصعوبة بمكان..فرغم اتفاق الجميع اليوم، ان ظاهرة الفساد مستشرية ..واضحت جزء لا يتجزء من الحياة العامة ..لكن تتعدد صورها، وتتداخل ، مما جعل الفساد يستخدم للاشارة الى دائرة واسعة من الانشطة والممارسات . سنحاول تلمس بعض من خيوطه في هده المحاولة ، املين ان نوفق ولو باظهار شيء من ملامح هدا المرض الخبيث، الدي يستشري كالسرطان في جسم الدولة والمجتمع .
الفساد ظاهرة ، والحقيقة مامن ظاهرة تداخلت فيها العوامل الاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية ، والسياسية مثل ظاهرة الفساد. حيث ان المحللين منهم من يرى ، ان الفساد هو ظاهرة اقتصادية ، دات ابعاد اجتماعية – ثقافية .. ويرى فريق اخر انها اجتماعية ، دات ابعاد اقتصادية ..بينما يرى فريق ثالث انه لا يمكن ابعاد او اغفال البعد السياسي، في تحليل هده الظاهرة .. وبهدا فان الطبيعة المعقدة لظاهرة الفساد ، جعلت مهمة تقديم او اعطاء تعريف دقيق للفساد ، مهمة صعبة، وغير يسيرة …فالفساد للغة يعني حسب تعدد السياقات.. الانحلال،الفسق، التلف، العطب ، الضرر، الخراب،اخد المال ظلما، عكس الصلاح ، البطلان.. والفساد مرتبط بالاستبداد كما عرفه الكواكبي…لكن ، لناخد تعريف ارسطو، وهو اشهر فلاسفة الاغريق، كيف انه جعل ثلاثة انواع رئيسية للادارة ومن خلالها اوضح مفهوم الفساد=
– ادارة الفرد لشؤونه = تتسم بالفساد ادا ما اطلق الفرد العنان لرغباته واصبح عبد نزواته . ادا غالبا مايدفعه هدا الى التعدي على حقوق الاخرين والتورط في ممارسات لا اخلاقية .
– ادارة رب العائلة لشؤون عائلته = بان يستغل رب العائلة نفوده لاشباع احتياجاته الخاصة من دون ان يعبأ بمصالح عائلته ككل ويلبي احتياجاتها
– ادارة الدولة ( الطبقة الحاكمة) لرعاياها = بالمنطق نفسه مع رب الاسرة يصيب الدولة الفساد ادا ماقامت الطبقة الحاكمة باستغلال سلطتها لتحقيق مصالحها الخاصة او تحقيق مصالح فئة معينة من فئات الشعب على حساب الفئات الاخرى ، وبدلك لم تعمل على تحقيق مصالح جميع فئات الشعب .
يلاحظ من خلال مفهوم ارسطو، ان الفساد يوجد عندما يساء استغلال اي سلطة ..سواء كانت سلطة الفرد على نفسه، او سلطة رب العائلة على اسرته ، او الطبقة الحاكمة، ادا ما اسأ ت استخدام السلطة السياسية .غير ان هناك تعريفات متعددة، كلها تعطي دورا محوريا للسلطة العامة، في ظاهرة الفساد..حيث ترى ان بدور الفساد تنبت في مجالات التعامل بين مؤسسات الدولة ، والادارات الحكومية والقطاع العام من ناحية .وافراد المجتمع الطبيعيين والمعنويين من ناحية اخرى. فعلى جانب، مسؤولي الدولة وموظفي الحكومة (( الفاسدين)). وعلى الجانب الاخر، افراد المجتمع (( المفسدين)).من هنا يمكن القول ان الفساد يتمثل في استغلال النفود والسلطة (( عامة او خاصة))، لتحقيق منافع خاصة ..علاوة على ان معظم ممارسات الفساد ،هي دي طبيعة غير قانونية، ولا اخلاقية . فمن الضروري ان نحدد الكيفية التي يمارس بها الفساد ..فرغم الصور المتداخلة والمتشابكة بعضها بعضا ،وفي كثير من الاحيان .لكن يجب التمييز بينها ..وتصنيفها حيث تتمثل في = الرشوة..المحسوبية ..الابتزاز..الاختلاس..الاحتيال. لنوضح ..
الرشوة = جوهر ظاهرة الفساد. وتعني تلقي شيء دي قيمة، في اطار معاملة تتسم بالفساد..اي الحصول على ماليس بحق ..او حق من الحقوق، لا يمكن الحصول عليه بتقديم رشوة .و الرشوة هي اكثر الفساد انتشارا.
المحسوبية = تتمثل في المحاباة ،او التحيز لفرد او جهة معينة، ياستغلال السلطة او النفود وتجاوز القوانين والتشريعات ..مثال =ان يمنح بعض من يتمتعون بسلطة معينة مزايا معينة ..او تسهيلات لفرد او جهة بسبب وجود قرابة ،او صلة، او صداقة ،او علاقة خاصة ..وتمثل المحسوبية احد اهم اشكال الفساد.ومن مسببات المحسوبية ، الاحساس والشعور بالظلم والقهر الاجتماعي.
الابتزاز = هو ان يقوم شخص او جهة بانتزاع شيء دي قيمة قسرا ،مقابل عدم استخدام السلطة او النفود او العنف على نحو يضر بالمبتزين او مصالحهم ..
الاختلاس = هو الاستلاء على شيء دي قيمة ،من قبل من يتولى ادارة او المحافظة على هدا الشيء ..ورغم ان الاختلاس يعد احد اشكال الفساد ..لكن تظهر صعوبة تتبع ومحاربة هدا الشكل، في مؤسسات الدولة ….فمثلا عندما يختلس احدهم ،جزءا من المال العام ..فالمال العام لا يمثل ممتلكات فردية ..من تم فان المواطنين، وافراد المجتمع لا يملكون الصفة القانونية، التي تعطيهم الحق، في المطالبة باسترداد ما اختلس.
الاحتيال = هو جريمة تتضمن نوعا من الغش، او الخداع او التحايل، في اطار ظاهرة الفساد..ويمكن تعريف الاحتيال بانه القيام بتشويه ،او تزييف الحقائق، والمعلومات، لتحقيق منافع خاصة ..وبالطبع فان عمليات الاحتيال ،التي تتم من قبل مسؤولي السلطة التنفيدية ،هي الاكثر خطورة. اد يكون جميع افراد المجتمع ضحية هدا الاحتيال.
لاشك ان محصلة نطاق الفساد في مجتمع ما ..هو محصلة تفاعل عدد من العوامل السياسية ،والاجتماعية والاقتصادية، والثقافية ،والادارية….فعند دراسة