أصل المعضلة النموذج الفرنسي اليعقوبي.. وتصحيح التاريخ المزوّر ضرورة

تمازيغت

قال النّاشط الأمازيغيّ أحمد عصيد إن “الحركة الثقافية الأمازيغية استنتجت في رحلة تشخيص وإعادة بناء التاريخ أنّ أصل المعضلة كلها يكمنُ في الدّولة الوطنيّة المركزيّة، أي النموذج اليعقوبي الفرنسي”، معتبرا أنّ “هذا النموذج الذي تبنيناه في المغرب، يقوم على مبدأ خلق التجانس المطلق وإقصاء عناصر التنوع والحفاظ على العنصر الواحد، ولو على حساب مختلف العناصر الأخرى”.

وأكد عصيد، خلال مداخلته في ندوة “إضاءات حول تاريخ الأمازيغ”، على هامش النسخة 17 لمهرجان “ثويزا”، أنّ “تاريخ الأمازيغ زوّر حين تبنى الوطنيون المغاربة في النموذج اليعقوبي الفرنسيّ مبدأ العُنصر الواحد، والمبدأ هو العروبة والإسلام”، مشيرا إلى أنّ “هذا كان سعياً واضحاً لتقديم رواية تاريخيّة مُطابقة لأيديولوجية الدّولة، وهذه هي منبع المشاكل لكون أصوات العناصر المقصية تحولت إلى رفض واحتجاج واستنكار”.

وأفاد الناشط الأمازيغيّ أنّ “الحركة الأمازيغية عملت في نصف القرن الأخير على إعادة بناء هذه المعضلة، وبالتالي إعادة التأسيس لمفهوم اللغة بين المنظومتين التقليدية والحديثة”، لافتا إلى أنّ “نخبتنا التقليدية كانت تعتقد أن اللغة هي ما يكتب، لكن هذا الطرح فنّده درس اللسانيات منذ فرديناند دو سوسير إلى جاكوبسون، اللذين أظهرا بأن اللغة تتجاوز ما يكتب لتكون نسقاً من الرّموز والعلامات التي تفيد التّواصل داخل مجموعة لسنيّة محدّدة”.

وذكر الباحث في المعهد الملكيّ للثقافة الأمازيغيّة أنّ “الحركة الثقافية عملت أيضا على إعادة تأسيس مفهوم الثقافة، بفضل الدرس الأنثروبولوجي خلال القرن العشرين، نظرا لكون النخب مجدداً كانت تعتقد أن الثقافة هي ما يدرّس في المدرسة، والمثقف هو المتعلم الذي يقرأ الكتب”، مسجلاً أنّه “في النهاية ظهر أن الثقافة هي كل ما يكتسبه الإنسان من وسطه الاجتماعي ويضاف إلى طبيعته الأصليّة كاللّسان والتقاليد والعادات”.

وأوضح أنّ مفهوم التاريخ بدوره تعرّض لإعادة التأسيس بناء على الوثيقة الأثريّة والوثيقة الأدبيّة المغيّبة لأن النخبة التقليدية أقامت فهمها للتاريخ على أساس النّص الأدبيّ المكتوب”، لافتا إلى أنّ “المشكل يكمن في الرواية الرسمية لتاريخ المغرب، التي تبنتها الدولة وفرضتها في التعليم ووسائل الإعلام، خصوصاً حين لم تحسم في مشكلة أصل سكان المغرب وشمال أفريقيا، وانتصرت للرواية الموجودة في الأيديولوجيا العربية الإسلامية، التي تغذّت من الغزوات التي يسمونها فتوحات”.

ووصف هذه الرواية بـ”الأيديولوجية التي لا أساس علميّا لها، بحيث تريد أن تردّ أصل سكان شمال إفريقيا قسراً إلى اليمن وكنعان، وهي روايات شفوية كذّب بعضها ابن خلدون”، مردفاً أن “الباحث الاستعماري بدوره عزّز هذا التزييف التاريخي حين قدم روايته، التي يعتبر من خلالها أنّ لسكان إفريقيا أصلا في المنطقة الشمالية للمتوسط، أي أراد أن يرجعهم إلى أصله الأوروبي، وهي بدورها رواية أيديولوجية لا تقلّ خطورة عن تلك القائلة بالأصل العربي للأمازيغ”.

وقال عصيد إنّ “هناك حقيقة تاريخية توضح أنّ شمال إفريقيا كان، بالفعل، مسرحاً لهجرات كثيرة في مختلف الاتجاهات، ولكن التركيبة السكانية كانت دائماً كثيفة وأغلبية قادرة على استيعاب الهجرات الوافدة من كل مكان: من الشّرق ومن الشّمال ومن العُمق الإفريقيّ”، لافتا إلى أن “هذه هي الحقيقة التي لا ينبغي طمسها باتهام الحركة الأمازيغية بالحديث عن العرق، فالخطاب الأمازيغيّ في المغرب لم يقم إطلاقاً كخطاب مُؤسَّس أكاديميّا وفكريّا على فكرة العرق”.

وأكد أنه “لا توجد وثيقة واحدة من وثائق الحركة الأمازيغية تتحدث عن سند عرقي، لكوننا نعتبر فكرة العرق فكرةً حربيّة إيديولوجيّة وغير علمية، لأنّ أساس وجود البشر هو التمازج بفضل الرّحلات والموجات السكانية والهجرات والتبادل التجاري، إلخ”، خاتما بالقول إنّ “النخبة الأمازيغية ذكية لكونها اعتبرت الأمازيغية شأن جميع المغاربة ولم تقل إنها شأن فئة أو نوع، ونفس شعارات الحركة نجدها واردة في خطابات الملك منذ خطاب أجدير لسنة 2001”.