إن الأحزاب السياسية المغربية التي تتوصل بالدعم المالي المحسوب بملايين الدراهم من وزارة الداخلية ، لا يمكن لها الإنفراد بجعل قراراتها السياسية مهما كان موضوعها أو حجمها محط استقلالية تامة ، إلا في حدود ترضاها بالتوافق الجهة المانحة لتلك الأموال ، وكل اجتهاد ينأى عن هذه الحقيقة يعتبر انحرافا بيِّناً عن مصارحة الشعب المغربي الذي أصبح في غالبيته لا يثق في تلك الأحزاب أصلا، وبخاصة منذ المسرحيات المعروضة عليه بشكل مضحك للغاية، يتستر خلف أدوارها بتعاليل غير مقبولة ، مَن يربط تشكيل الحكومة بعجز توفير أغلبية تمهد بذلك تحمل مسؤولية تدبير الشأن العمومي كما ينص عليه دستور 2011.
إذا كانت تلك الأحزاب في ادعاءاتها المستمرة بمناسبة أو دونها ، بكونها تمثل الشعب المغربي، فهي قبل غيرها، تعرف يقيناً أن الأخير تعداده ما يقارب الأربعين مليونا من البشر، في عُرف الإنسانية، المفروض أن يتمتع كل فرد منهم بحقوقه الأساسية المشروعة ومنها عدم الافتراء عليه بأمور وشعارات وهمية لا تمت للواقع بصلة .
إن وزارة الداخلية بما لها وما عليها الملقبة بأم الوزارات رغم أنف كل واحد مهما كان مستواه المتدرج في سلم الوظائف الحكومية ، لم ترد (وإن كانت تستطيع) إلحاق مجهودها المبّذول في إعداد وحصر القوائم الانتخابية إلا في أقل من نصف سكان الوطن ، وهذا وحده يقتضي التساؤل المشروع للإجابة النهائية ، هل الشعب المغربي محكوم بالتساوي بين أفراده (ومن الجنسين) تعلق الأمر بتطبيق القوانين المعمول بها مهما كان الميدان المتوفرة هيأة الأمم المتحدة على نسخ منها مترجمة للغات صاحبات “الفيتو” داخلها ، أو بتوزيع الثروات الحقيقية للمغرب الحاصل على مردودياتها وهي بالملايير من الدولارات على كل مجمع سكاني من بني “ونيف” الملتصقة بمدينة “فجيج” إلى “الكويرة” التي لنا فيها جماعة محلية تتخذ مقراً لها في مدينة “الداخلة” ، الجميع يعلم أننا ملزمون بمكاشفة بعضنا البعض بصراحة منطلقها التحاور بأدب جم وصولا لوضع مصالح الشعب المغربي العظيم فوق كل اعتبار ، فقد وصلنا من النضج مرتبة كي لا نضع أي أحد إلا في موضعه الطبيعي الذي يستحقه ، وجعل كل إقطاعي ، مهما كان الجدار التنفيذي المتكأ عليه ، أن يدرك بالتي هي أحسن أن الظرف عكس الظرف ، والعالم أصبح قرية متوسطة الحجم تتناقل بين جنباتها كل صغيرة وكبيرة لمن يتلقاها فيبسطها على مشرحة “العلم بالشيء” لفائدة موقف آت خلفه قرار الضغط السياسي أو الاقتصادي المفاجئ يكون، مهما وصل أوانه ، فعلى ذاك الإقطاعي أن لا يتخذ الشعب المغربي مطلية لتزويد المغانم ، بما يرتكب في حقه من جرائم .
الأحزاب السياسية وبها من الرجال الفضلاء والنساء الفاضلات ما يستطيعون به من وعي وحٍسٍّ ثقافي عالي، الحد من تداخل المصالح الضيقة باستمرارية الاستحواذ على المناصب بالنسبة للبعض المشارك / الغير المباشر بما يقع في الساحة السياسية رسمية كانت أو حزبية من تبادل للأدوار وتجاذب مُمَيَّع لأفكار آكل عليها الدهر وشرب ، حتى يتمخض عن ذاك التدخل الوجيه، التعامل بأسلوب جديد تتحقق به الخطوة الأولى لعهد سياسي يعطي للفرد المغربي رجلا كان أو امرأة حقه في التصويت مهما كان الحيز الذي يقطنه ، وفرصة الاطلاع بالقرائن والحجج على كل سنتيم من ميزانية الدولة كيف يُصرف ومتى صُرِفَ ومَن المستفيد من الصرف دون استثناء فكل المغاربة مهما كان مستواهم في الحكم أو خارجه أبناء تسعة .
… لا فرق بين أحزاب صغيرة وأخرى كبيرة فكلها مؤسسة بقانون واحد ، لكن في مقدورنا القول أن فيها الحزب الناجح رغم صغر حجمه ، والحزب الفاشل رغم كِبَرِ إمكانياته المادية التي يتوصل بها كدعم من وزارة الداخلية ، حتى في اطار نفس الادعاءات أنها ممثلة للشعب والشعب بريء من المعنى الشمولي لهذا التمثيل . الأحزاب الصغيرة أهم ما فيها الزعماء الذين استطاعوا مواكبة الهيمنة اللاعادلة للأحزاب المندرجة تحت لقب الكبيرة حتى وإن كانت فاشلة ، والإعلان عن أنفسهم ولو بالحضور في اجتماعات وزارة الداخلية الراعية الأمثل لهم مقابل استمرارية تفعيل مبدأ التعددية كبيت قصيد بقاء من لم يحصل حتى “على العتبةّ” في أخر انتخابات عرفها المغرب ، إذن كلامنا يستبعد مثل الأحزاب الصغيرة لأسباب سنتطرق لها مستقبلا.
إن تشكيل أو عدم تشكيل الحكومة رهين بما هو أكبر من ذلك ، بترك حرية الاختيار بيد الشعب ، الاختيار القائم على تمتع كل فرد فيه بمزايا ينص عليها القانون المختص في كل قضية على حدة ، وبعدم طمس الحقائق الواردة بشكل يتحدى الجميع تظهر تسلط سلطة حكومة الظل على كل صغيرة قبل الكبيرة في هذا البلد الذي أحرَق فيه مَن أحرق طموح الاجتهاد المشروع من أجل الخير واقتسامه بالعدل دون اكتراث بالمسافات بين “الرباط” وأدنى قرية على امتداد التراب الوطني الموحد ، ووضع نهاية بلا هوادة لألقاب وأسامي (كوزارات السيادة) التي لم يعد لها حضور ديمقراطي حيال دستور 2011 ولا معنى ، غير التأكيد أن دولة المغرب لم تصل بعد للأخذ بلوازم العيش ضمن الألفية الثالثة المعدة لإعطاء الشعوب ما تستحقه كعمود فقري لكل النظم الحاكمة وصلت مستوى من الرقي تجعل الحاكم مهما وصل شأنه التنفيذي مجرد خادم من الخدام يتوصل بأجرته المستخلصة من عرق تلك الشعوب
مصطفى منيغ